لو أنصف هؤلاء لسكتوا عن الآيات والأخبار المتشابهة واكتفوا بتنزيه الله تعالى عما توهمه ظواهرها من الحدوث ولوازمه ثم فوضوا الأمر في تعيين معانيها إلى الله وحده وبذلك يكونوه سلفيين حقا لكنها شبهات عرضت لهم في هذا المقام فشوشت حالهم وبلبلت أفكارهم فلنعرضها عليك مع ما أشبهها والله يتولى هدانا وهداهم ويجمعنا جميعا على ما يحبه ويرضاه آمين .
دفع الشبهات الواردة في هذا المقام .
الشبهة الأولى ودفعها .
يقولون إن القول بأن الله لا جهة له وأنه ليس فوقا ولا تحتا ولا يمينا ولا شمالا إلى غير ذلك يستلزم أن الله غير موجود أو هو قول بأن الله غير موجود فإن التجرد من الإنصاف بهذه المتقابلات جملة أمر لا يوسم به إلا المعدوم ومن لم يتشرف بشرف الوجود .
وندفع هذه الشبهة بأمور .
أولها أن هذا قياس للغائب على الشاهد وقياس الغائب على الشاهد فاسد ذلك أن الله تعالى ليس يشبه خلقه حتى يكون حكمه كحكمهم في وجوب أن يكون له جهة من الجهات الست ما دام موجودا وكيف يقاس المجرد عن المادة بما هو مادي ثم كيف يستوي الخلق وخلقه في جريان أحكام الخلق على خالقه إن المادي هو الذي يجب أن يتصف بشيء من هذه المتقابلات وأن تكون له جهة من تلك الجهات أما عين المادي فترتفع عنه هذه الصفات كلها ولا يمكن أن تكون له أية جهة من هذه الجهات جميعها ونظير ذلك أن الإنسان لا بد أن يكون له أحد الوصفين فإما جاهل وإما عالم أما الحجر فلا يتصف بواحد منها ألبتة فلا يقال إنه جاهل ولا إنه عالم بل العلم والجهل مرتفعان عنه بل هما ممتنعان عليه لا محالة لأن طبيعته تأبى قابليته لكليهما وهكذا تنتفي المتقابلات كلها بانتفاء قابلية المحل لها أيا كانت هذه المتقابلات وأيا كان هذا المحل الذي ليس قابلا لها فيمتنع مثلا أن توصف الدار بأنها سمعية أو صماء وأن توصف الأرض بأنها متكلمة أو خرساء وأن توصف السماء بأنها متزوجة أو أيم وهلم جرا .
ثانيا نقول لهؤلاء أين كان الله قبل أن يخلق العرش والفرش والسماء والأرض وقبل أن يخلق الزمان والمكان وقبل أن تكون هناك جهات ست فإن قالوا لم يكن له جهة ولا مكان نقول قد اعترفتم بما نقول نحن به وهو الآن على ما عليه كان لا جهة له ولا مكان وإن زعموا أن العالم قديم بقدم فقد تداووا من داء بداء واستجاروا من