مسحة وبيان ودرجة في الفوق والسبق بينها وبين الأخرى بعد ما بين شأني الخالق والخلق وفرق ما بين مكانتي السيد والعبد فالقرآن يمتاز بمسحة بلاغية خاصة وطابع بياني فريد لا يترك بابا لأن يلتبس بغيره أو يشتبه بسواه ولا يعطي الفرصة لأحد أن يعارضه أو يحوم حول حماه بل من خاصمه خصم ومن عارضه قصم ومن حاربه هزم .
أما الحديث الشريف فهو وإن حلق في جو الفصاحة وسما في جملته عن أساليب العرب فإنه لا يزال في أرض العبودية لم يصل إلى سماء الإعجاز وتشبهه أساليب بعض خواص أصحابه وبينه وبين حكم العرب المأثورة قرابة ماسة وشبه قريب .
بخلاف القرآن فإنه ليس كمثله بيان لأنه كلام من ليس كمثله شيء .
وكلام الملوك ملوك الكلام .
خاتمة المبحث .
فحسب أننا أفضنا في هذا المبحث ولكننا نعتقد أن هذه الإفاضة واجب لا بد منه ما دمنا بصدد تسليح طلابنا متخصصي الدعوة والإرشاد وهم على أهبة النزول إلى ميادين الوعظ العامة وفيها المؤمن والجاحد والمتدين والملحد والإلهيون والطبيعيون وفيها ضحايا الطوائف المعادية للإسلام وصرعى المذاهب المتطرفة في العالم .
ونلفت نظرك إلى أن بعض ما ذكرناه في أدلة الوحي العلمية قد اعتمدنا فيه على أدلة جدلية يؤمن بها المنكرون أكثر مما يؤمنون بآيات الله .
وإن أردت التوسع في هذا فارجع إلى ما كتبه العلامة محمد فريد وجدي في المجلد العاشر من مجلة الأزهر سنة 1358ه وما كتبناه من قبل في المجلد الخامس من مجلة الهدية الإسلامية سنة 1351ه وما كتبه العلامة الشيخ محمد عبد الله دراز في كتابه النبأ العظيم .
وبالله تعالى التوفيق .
المبحث الرابع .
في أول ما نزل وآخر ما نزل من القرآن .
مدار هذا المبحث على النقل والتوقيف .
ولا مجال للعقل فيه إلا بالترجيح بين الأدلة أو الجمع بينها فيما ظاهره التعارض منها .
ومن فوائد الإلمام بأول ما نزل وآخره تمييز الناسخ من المنسوخ فيما إذا وردت آيتان أو آيات على موضوع واحد وكان الحكم في إحدى هذه الآيات يغاير الحكم في الأخرى ومن فوائده أيضا معرفة تاريخ التشريع الإسلامي ومراقبة سيره التدريجي والوصول من