فذكروا اليهود والنصارى كذا ساقه عبد الوارث مختصرا ورواية عبد الوهاب الآتية في الباب الذي بعده أوضح قليلا حيث قال لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه فذكروا أن يوروا نارا أو يضربوا ناقوسا وأوضح من ذلك رواية روح بن عطاء عن خالد عند أبي الشيخ ولفظه فقالوا لو اتخذنا ناقوسا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ذاك للنصارى فقالوا لو اتخذنا بوقا فقال ذاك لليهود فقالوا لو رفعنا نارا فقال ذاك للمجوس فعلى هذا ففي رواية عبد الوارث اختصار كأنه كان فيه ذكروا النار والناقوس والبوق فذكروا اليهود والنصارى والمجوس واللف والنشر فيه معكوس فالنار للمجوس والناقوس للنصارى والبوق لليهود وسيأتي في حديث بن عمر التنصيص على أن البوق لليهود وقال الكرماني يحتمل أن تكون النار والبوق جميعا لليهود جمعا بين حديثي أنس وبن عمر انتهى ورواية روح تغنى عن هذا الاحتمال قوله فأمر بلال هكذا في معظم الروايات على البناء للمفعول وقد اختلف أهل الحديث وأهل الأصول في اقتضاء هذه الصيغة للرفع والمختار عند محققي الطائفتين أنها تقتضيه لأن الظاهر أن المراد بالأمر من له الأمر الشرعى الذي يلزم أتباعه وهو الرسول صلى الله عليه وسلّم ويؤيد ذلك هنا من حيث المعنى أن التقرير فى العبادة إنما يؤخذ عن توقيف فيقوى جانب الرفع جدا وقد وقع في رواية روح بن عطاء المذكورة فأمر بلالا بالنصب وفاعل أمر هو النبي صلى الله عليه وسلّم وهو بين في سياقه وأصرح من ذلك رواية النسائي وغيره عن قتيبة عن عبد الوهاب بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلّم أمر بلالا قال الحاكم صرح برفعه إمام الحديث بلا مدافعة قتيبة قلت ولم ينفرد به فقد أخرجه أبو عوانة من طريق مروان المروزي عن قتيبة ويحيى بن معين كلاهما عن عبد الوهاب وطريق يحيى عند الدارقطني أيضا ولم ينفرد به عبد الوهاب وقد رواه البلاذري من طريق بن شهاب الحناط عن أبي قلابة وقضية وقوع ذلك عقب المشاورة في أمر النداء إلى الصلاة ظاهر في أن الآمر بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلّم لا غيره كما استدل به بن المنذر وبن حبان واستدل بورود الأمر به من قال بوجوب الأذان وتعقب بأن الأمر إنما ورد بصفة الأذان لا بنفسه وأجيب بأنه إذا ثبت الأمر بالصفه لزم أن يكون الأصل مأمورا به قاله بن دقيق العيد وممن قال بوجوبه مطلقا الأوزاعي وداود وبن المنذر وهو ظاهر قول مالك في الموطأ وحكى عن محمد بن الحسن وقيل واجب في الجمعة فقط وقيل فرض كفاية والجمهور على أنه من السنن المؤكدة وقد تقدم ذكر منشأ الخلاف في ذلك وأخطأ من استدل على عدم وجوبه بالإجماع لما ذكرناه والله أعلم .
579 - قوله أن بن عمر كان يقول في رواية مسلم عن عبد الله بن عمر أنه قال قوله حين قدموا المدينة أي من مكة في الهجرة قوله فيتحينون بحاء مهملة بعدها مثناة تحتانية ثم نون أي يقدرون أحيانها ليأتوا إليها والحين الوقت والزمان قوله ليس ينادي لها بفتح الدال على البناء للمفعول قال بن مالك فيه جواز استعمال ليس حرفا لا اسم لها ولا خبر وقد أشار إليه سيبويه ويحتمل أن يكون اسمها ضمير الشان والجملة بعدها خبر قلت ورواية مسلم تؤيد ذلك فإن لفظه ليس ينادي بها أحد قوله فتكلموا يوما في ذلك فقال بعضهم اتخذوا لم يقع لي تعين المتكلمين في ذلك واختصر الجواب في هذه الرواية ووقع لابن ماجة من وجه آخر عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلّم استشار الناس لما يجمعهم إلى الصلاة فذكروا البوق فكرهه من أجل اليهود ثم ذكروا الناقوس فكرهه من أجل النصارى وقد تقدمت رواية روح بن عطاء نحوه وفي الباب عن عبد الله بن زيد عند أبي الشيخ وعند أبي عمير بن أنس