الأذهان في إظهار مضمره واستخراج خبيئه وكثيرا ما يفعل ذلك أي هذا الأخير حيث يذكر الحديث المفسر لذلك في موضع آخر متقدما أو متاخرا فكأنه يحيل عليه ويومئ بالرمز والإشارة إليه وكثيرا ما يترجم بلفظ الاستفهام كقوله باب هل يكون كذا أو من قال كذا ونحو ذلك وذلك حيث لا يتجه له الجزم بأحد الاحتمالين وغرضه بيان هل يثبت ذلك الحكم أو لم يثبت فيترجم على الحكم ومراده ما يتفسر بعد من إثباته أو نفيه أو أنه محتمل لهما وربما كان أحد المحتملين أظهر وغرضه أن يبقى للنظر مجالا وينبه على أن هناك احتمالا أو تعارضا يوجب التوقف حيث يعتقد أن فيه إجمالا أو يكون المدرك مختلفا في الاستدلال به وكثيرا ما يترجم بأمر ظاهره قليل الجدوي لكنه إذا حققه المتامل أجدى كقوله باب قول الرجل ما صلينا فإنه أشار به إلى الرد على من كره ذلك ومنه قوله باب قول الرجل فاتتنا الصلاة وأشار بذلك إلى الرد على من كره إطلاق هذا اللفظ وكثيرا ما يترجم بأمر مختص ببعض الوقائع لا يظهر في بادىء الرأي كقوله باب استياك الإمام بحضرة رعيته فإنه لما كان الاستياك قد يظن أنه من افعال المهنة فلعل بعض الناس يتوهم أن اخفاءه أولي مراعاة للمروءة فلما وقع في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلّم استاك بحضرة الناس دل على أنه من باب التطيب لا من الباب الآخر نبه على ذلك بن دقيق العيد وكثيرا ما يترجم بلفظ يومئ إلى معنى حديث لم يصح على شرطه أو يأتي بلفظ الحديث الذي لم يصح على شرطه صريحا في الترجمة ويورد في الباب ما يؤدي معناه تارة بأمر ظاهر وتارة بأمر خفي من ذلك قوله باب الأمراء من قريش وهذا لفظ حديث يروي عن على Bه وليس على شرط البخاري وأورد فيه حديث لا يزال وآل من قريش ومنها قوله باب اثنان فما فوقهما جماعة وهذا حديث يروي عن أبي موسى الأشعري وليس على شرط البخاري وأورد فيه فأذنا وأقيما وليؤمكما أحدكما وربما اكتفى أحيانا بلفظ الترجمة التي هي لفظ حديث لم يصح على شرطه وأورد معها أثرا أو آية فكأنه يقول لم يصح في الباب شيء على شرطى وللغفلة عن هذه المقاصد الدقيقة اعتقد من لم يمعن النظر أنه ترك الكتاب بلا تبييض ومن تامل ظفر ومن جد وجد وقد جمع العلامة ناصر الدين أحمد بن المنير خطيب الإسكندرية من ذلك أربعمائة ترجمة وتكلم عليها ولخصها القاضي بدر الدين بن جماعة وزاد عليها أشياء وتكلم على ذلك أيضا بعض المغاربة وهو محمد بن منصور بن حمامة السجلماسي ولم يكثر من ذلك بل جملة ما في كتابه نحو مائة ترجمة وسماه فك اغراض البخاري المبهمة في الجمع بين الحديث والترجمة وتكلم أيضا على ذلك زين الدين على بن المنير أخو العلامة ناصر الدين في شرحه على البخاري وامعن في ذلك ووقفت على مجلد من كتاب اسمه ترجمان التراجم لأبي عبد الله بن رشيد السبتي يشتمل على هذا المقصد وصل فيه إلى كتاب الصيام ولو تم لكان في غاية الإفادة وأنه لكثير الفائدة مع نقصه والله تعالى الموفق