يجب وإن كان قد ورد بصيغة الأمر كما أشرت إليه لقوله في آخر حديث التشهد ثم ليتخير والمنفى وجوبه يحتمل أن يكون الدعاء الذي لا يجب دعاء مخصوص وهذا واضح مطابق للحديث وأن كان التخيير مأمورا به ويحتمل أن يكون المنفى التخيير ويحمل الأمر الوارد به على الندب ويحتاج إلى دليل قال بن رشيد ليس التخيير في آحاد الشيء بدال على عدم وجوبه فقد يكون أصل الشيء واجبا ويقع التخيير في وصفه وقال الزين بن المنير .
800 - قوله ثم ليتخير وان كان بصيغة الأمر لكنها كثيرا ما ترد للندب وادعى بعضهم الإجماع على عدم الوجوب وفيه نظر فقد أخرج عبد الرزاق بإسناد صحيح عن طاوس ما يدل على أنه يرى وجوب الاستعاذة المأمور بها في حديث أبي هريرة المذكور في الباب قبله وذلك أنه سأل ابنه هل قالها بعد التشهد فقال لا فأمره أن يعيد الصلاة وبه قال بعض أهل الظاهر وأفرط بن حزم فقال بوجوبها في التشهد الأول أيضا وقال بن المنذر لولا حديث بن مسعود ثم ليتخير من الدعاء لقلت بوجوبها وقد قال الشافعي أيضا بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم بعد التشهد وادعى أبو الطيب الطبري من أتباعه والطحاوي وآخرون أنه لم يسبق إلى ذلك واستدلوا على ندبيتها بحديث الباب مع دعوى الإجماع وفيه نظر لأنه ورد عن أبي جعفر الباقر والشعبي وغيرهما ما يدل على القول بالوجوب وأعجب من ذلك أنه صح عن بن مسعود راوي حديث الباب ما يقتضيه فعند سعيد بن منصور وأبي بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح إلى أبي الأحوص قال قال عبد الله يتشهد الرجل في الصلاة ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلّم ثم يدعو لنفسه بعد وقد وافق الشافعي أحمد في إحدى الروايتين عنه وبعض أصحاب مالك وقال إسحاق بن راهويه أيضا بالوجوب لكن قال إن تركها ناسيا رجوت أن يجزئه فقيل إن له في المسألة قولين كاحمد وقيل بل كان يراها واجبة لا شرطا ومنهم من قيد تفرد الشافعي بكونه عينها بعد التشهد لا قبله ولا فيه حتى لو صلى على النبي صلى الله عليه وسلّم في أثناء التشهد مثلا لم يجزئ عنده وسيأتي مزيد لهذا في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى قوله ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو زاد أبو داود عن مسدد شيخ البخاري فيه فيدعو به ونحوه النسائي من وجه آخر بلفظ فليدع به ولإسحق عن عيسى عن الأعمش ثم ليتخير من الدعاء ما أحب وفي رواية منصور عن أبي وائل عند المصنف في الدعوات ثم ليتخير من الثناء ما شاء ونحوه لمسلم بلفظ من المسألة واستدل به على جواز الدعاء في الصلاة بما أختار المصلي من أمر الدنيا والآخرة قال بن بطال خالف في ذلك النخعي وطاوس وأبو حنيفة فقالوا لا يدعو في الصلاة إلا بما يوجد في القرآن كذا أطلق هو ومن تبعه عن أبي حنيفة والمعروف في كتب الحنفية أنه لا يدعو في الصلاة إلا بما جاء في القرآن أو ثبت في الحديث وعبارة بعضهم ما كان مأثورا قال قائلهم والمأثور أعم من أن يكون مرفوعا أو غير مرفوع لكن ظاهر حديث الباب يرد عليهم وكذا يرد على قول بن سيرين لا يدعو في الصلاة إلا بأمر الآخرة واستثنى بعض الشافعية ما يقبح من أمر الدنيا فإن أراد الفاحش من اللفظ فمحتمل وإلا فلا شك أن الدعاء بالأمور المحرمة مطلقا لا يجوز وقد ورد فيما يقال بعد التشهد أخبار من أحسنها ما رواه سعيد بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة من طريق عمير بن سعد قال كان عبد الله يعني بن مسعود يعلمنا التشهد في الصلاة ثم يقول إذا فرغ أحدكم من التشهد فليقل اللهم اني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم اللهم أني أسألك من خير ما سألك منه عبادك الصالحون وأعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبادك الصالحون ربنا آتنا في الدنيا حسنة الآية قال ويقول لم