وممن حمل الإذن على عمومه للرجال والنساء عائشة فروى الحاكم من طريق بن أبي مليكة أنه رآها زارت قبر أخيها عبد الرحمن فقيل لها أليس قد نهى النبي صلى الله عليه وسلّم عن ذلك قالت نعم كان نهى ثم أمر بزيارتها وقيل الإذن خاص بالرجال ولا يجوز للنساء زيارة القبور وبه جزم الشيخ أبو إسحاق في المهذب واستدل له بحديث عبد الله بن عمرو الذي تقدمت الإشارة إليه في باب أتباع النساء الجنائز وبحديث لعن الله زوارات القبور أخرجه الترمذي وصححه من حديث أبي هريرة وله شاهد من حديث بن عباس ومن حديث حسان بن ثابت واختلف من قال بالكراهة في حقهن هل هي كراهة تحريم أو تنزيه قال القرطبي هذا اللعن إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصفة من المبالغة ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرج وما ينشأ منهن من الصياح ونحو ذلك فقد يقال إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء قوله بامرأة لم اقف على اسمها ولا اسم صاحب القبر وفي رواية لمسلم ما يشعر بأنه ولدها ولفظه تبكي على صبي لها وصرح به في مرسل يحيى بن أبي كثير عند عبد الرزاق ولفظه قد أصيبت بولدها وسيأتي في أوائل كتاب الأحكام من طريق أخرى عن شعبة عن ثابت أن أنسا قال لامرأة من أهله تعرفين فلانة قالت نعم قال كان النبي صلى الله عليه وسلّم مر بها فذكر هذا الحديث .
1223 - قوله فقال اتقي الله في رواية أبي نعيم في المستخرج فقال يا أمة الله اتقي الله قال القرطبي الظاهر أنه كان في بكائها قدر زائد من نوح أو غيره ولهذا أمرها بالتقوى قلت يؤيده أن في مرسل يحيى بن أبي كثير المذكور فسمع منها ما يكره فوقف عليها وقال الطيبي قوله اتقي الله توطئه لقوله واصبري كأنه قيل لها خافي غضب الله أن لم تصبري ولا تجزعي ليحصل لك الثواب قوله إليك عني هو من أسماء الأفعال ومعناها تنح وأبعد قوله لم تصب بمصيبتي سيأتي في الأحكام من وجه آخر عن شعبة بلفظ فإنك خلو من مصيبتي وهو بكسر المعجمة وسكون اللام ولمسلم ما تبالي بمصيبتي ولأبي يعلى من حديث أبي هريرة أنها قالت يا عبد الله إني أنا الحري الثكلى ولو كنت مصابا عذرتني قوله ولم تعرفه جملة حالية أي خاطبته بذلك ولم تعرف أنه رسول الله قوله فقيل لها في رواية الأحكام فمر بها رجل فقال لها أنه رسول الله فقالت ما عرفته وفي رواية أبي يعلى المذكورة قال فهل تعرفينه قالت لا وللطبراني في الأوسط من طريق عطية عن أنس أن الذي سألها هو الفضل بن العباس وزاد مسلم في رواية له فأخذها مثل الموت أي من شدة الكرب الذي اصابها لما عرفت أنه صلى الله عليه وسلّم خجلا منه ومهابة قوله فلم تجد عنده بوابين في رواية الأحكام بوابا بالافراد قال الزين بن المنير فائدة هذه الجملة من هذا الخبر بيان عذر هذه المرأة في كونها لم تعرفه وذلك أنه كان من شأنه أن لا يتخذ بوابا مع قدرته على ذلك تواضعا وكان من شأنه أنه لا يستتبع الناس وراءه إذا مشى كما جرت عادة الملوك والأكابر فلذلك اشتبه على المرأة فلم تعرفه مع ما كانت فيه من شاغل الوجد والبكاء وقال الطيبي فائدة هذه الجملة أنه لما قيل لها أنه النبي صلى الله عليه وسلّم استشعرت خوفا وهيبة في نفسها فتصورت أنه مثل الملوك له حاجب وبواب يمنع الناس من الوصول إليه فوجدت الأمر بخلاف ما تصورته قوله فقالت لم أعرفك في حديث أبي هريرة فقالت والله ما عرفتك قوله إنما الصبر عند الصدمة الأولى في رواية الأحكام عند أول صدمة ونحوه لمسلم والمعنى إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزع فذلك هو الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر واصل الصدم ضرب الشيء الصلب بمثله فاستعير للمصيبة الواردة على القلب قال الخطابي