صاعا من طعام من باب عطف الخاص على العام لكن محل العطف أن يكون الخاص أشرف وليس الأمر هنا كذلك وقال بن المنذر أيضا لا نعلم في القمح خبرا ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلّم يعتمد عليه ولم يكن البر بالمدينة ذلك الوقت إلا الشيء اليسير منه فلما كثر في زمن الصحابة رأوا أن نصف صاع منه يقوم مقام صاع من شعير وهم الأئمة فغير جائز أن يعدل عن قولهم إلا إلى قول مثلهم ثم أسند عن عثمان وعلي وأبي هريرة وجابر وبن عباس وبن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر بأسانيد صحيحة أنهم رأوا أن في زكاة الفطرة نصف صاع من قمح انتهى وهذا مصير منه إلى اختيار ما ذهب إليه الحنفية لكن حديث أبي سعيد دال على أنه لم يوافق على ذلك وكذلك بن عمر فلا إجماع في المسألة خلافا للطحاوي وكأن الأشياء التي ثبت ذكرها في حديث أبي سعيد لما كانت متساوية في مقدار ما يخرج منها مع ما يخالفها في القيمة دل على أن المراد إخراج هذا المقدار من أي جنس كان فلا فرق بين الحنطة وغيرها هذه حجة الشافعي ومن تبعه وأما من جعله نصف صاع منها بدل صاع من شعير فقد فعل ذلك بالاجتهاد بناء منه على أن قيم ما عدا الحنطة متساوية وكانت الحنطة إذ ذاك غالية الثمن لكن يلزم على قولهم أن تعتبر القيمة في كل زمان فيختلف الحال ولا ينضبط وربما لزم في بعض الأحيان إخراج آصع من حنطة ويدل على أنهم لحظوا ذلك ما روى جعفر الفريابي في كتاب صدقة الفطر أن بن عباس لما كان أمير البصرة أمرهم بإخراج زكاة الفطر وبين لهم أنها صاع من تمر إلى أن قال أو نصف صاع من بر قال فلما جاء علي ورأى رخص أسعارهم قال اجعلوها صاعا من كل فدل على أنه كان ينظر إلى القيمة في ذلك ونظر أبو سعيد إلى الكيل كما سيأتي ومن عجيب تأويله قوله أن أبا سعيد ما كان يعرف القمح في الفطرة وأن الخبر الذي جاء فيه أنه كان يخرج صاعا أنه كان يخرج النصف الثاني تطوعا وأن قوله في حديث بن عمر فجعل الناس عدله مدين من حنطة أن المراد بالناس الصحابة فيكون إجماعا وكذا قوله في حديث أبي سعيد عند أبي داود فأخذ الناس بذلك وأما قول الطحاوي إن أبا سعيد كان يخرج النصف الآخر تطوعا فلا يخفى تكلفه والله أعلم قوله فلما جاء معاوية زاد مسلم في روايته فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجا أو معتمرا فكلم الناس على المنبر وزاد بن خزيمة وهو يومئذ خليفة قوله وجاءت السمراء أي القمح الشامي قوله يعدل مدين في رواية مسلم أرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر وزاد قال أبو سعيد أما أنا فلا أزال أخرجه أبدا ما عشت وله من طريق بن عجلان عن عياض فأنكر ذلك أبو سعيد وقال لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولأبي داود من هذا الوجه لا أخرج أبدا إلا صاعا وللدارقطني وبن خزيمة والحاكم فقال له رجل مدين من قمح فقال لا تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها وقد تقدم ذكر هذه الرواية وما فيها ولإبن خزيمة وكان ذلك أول ما ذكر الناس المدين وهذا يدل على وهن ما تقدم عن عمر وعثمان إلا أن يحمل على أنه كان لم يطلع على ذلك من قصتهما قال النووي تمسك بقول معاوية من قال بالمدين من الحنطة وفيه نظر لأنه فعل صحابي قد خالفه فيه أبو سعيد وغيره من الصحابة ممن هو أطول صحبة منه وأعلم بحال النبي صلى الله عليه وسلّم وقد صرح معاوية بأنه رأي رآه لا أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلّم وفي حديث أبي سعيد ما كان عليه من شدة الإتباع والتمسك بالآثار وترك العدول إلى الإجتهاد مع وجود النص وفي صنيع معاوية وموافقة الناس له دلالة على جواز الإجتهاد وهو محمود لكنه مع وجود النص فاسد الإعتبار