محمولة على مطلق الكون لا على حقيقة اللفظ لأن المتحدث عنه هو الإمساك ليلا لا نهارا وأكثر الروايات إنما هي أبيت وكان بعض الرواة عبر عنها بأظل نظرا إلى اشتراكهما في مطلق الكون يقولون كثيرا أضحى فلان كذا مثلا ولا يريدون تخصيص ذلك بوقت الضحى ومنه قوله تعالى وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا فإن المراد به مطلق الوقت ولا اختصاص لذلك بنهار دون ليل وقد رواه أحمد وسعيد بن منصور وبن أبي شيبة كلهم عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ أني اظل عند ربي فيطعمني ويسقيني وكذلك رواه أحمد أيضا عن بن نمير وأبو نعيم في المستخرج من طريق إبراهيم بن سعيد عن بن نمير عن الأعمش وأخرجه أبو عوانة عن على بن حرب عن أبي معاوية كذلك وأخرجه هو وبن خزيمة من طريق عبيدة بن حميد عن الأعمش كذلك ووقع لمسلم فيه شيء غريب فإنه أخرجه عن بن نمير عن أبيه فقال بمثل حديث عمارة عن أبي زرعة ولفظ عمارة المذكور عنده أني أبيت يطعمني ربي ويسقيني وقد عرفت أن رواية بن نمير عند أحمد فيها عند ربي وليس ذلك في شيء من الطرق عن أبي هريرة الا في رواية أبي صالح ولم ينفرد بها الأعمش فقد أخرجها أحمد أيضا من طريق عاصم بن أبي النجود عن أبي صالح ووقعت في حديث غير أبي هريرة وأخرجها الإسماعيلي في حديث عائشة أيضا عن الحسن بن سفيان عن عثمان بن أبي شيبة بسنده الماضي في الباب الذي قبل هذا بلفظ أظل عند الله يطعمني ويسقيني وعن عمران بن موسى عن عثمان بلفظ عند ربي ووقعت أيضا كذلك عند سعيد بن منصور وبن أبي شيبة من مرسل الحسن بلفظ أني أبيت عند ربي واختلف في معنى قوله يطعمني ويسقيني فقيل هو على حقيقته وأنه صلى الله عليه وسلّم كان يؤتى بطعام وشراب من عند الله كرامة له في ليالي صيامه وتعقبه بن بطال ومن تبعه بأنه لو كان كذلك لم يكن مواصلا وبأن قوله يظل يدل على وقوع ذلك بالنهار فلو كان الأكل والشرب حقيقة لم يكن صائما وأجيب بأن الراجح من الروايات لفظ أبيت دون أظل وعلى تقدير الثبوت فليس حمل الطعام والشراب على المجاز بأولى له من حمل لفظ اظل على المجاز وعلى التنزل فلا يضر شيء من ذلك لأن ما يؤتى به الرسول على سبيل الكرامة من طعام الجنة وشرابها لا تجري عليه أحكام المكلفين فيه كما غسل صدره صلى الله عليه وسلّم في طست الذهب مع أن استعمال أوانى الذهب الدنيوية حرام وقال بن المنير في الحاشية الذي يفطر شرعا إنما هو الطعام المعتاد وأما الخارق للعادة كالمحضر من الجنة فعلى غير هذا المعنى وليس تعاطيه من جنس الأعمال وإنما هو من جنس الثواب كأكل أهل الجنة في الجنة والكرامة لا تبطل العبادة وقال غيره لا مانع من حمل الطعام والشراب على حقيقتهما ولا يلزم شيء مما تقدم ذكره بل الرواية الصحيحة أبيت وأكله وشربه في الليل مما يؤتى به من الجنة لا يقطع وصاله خصوصية له بذلك فكأنه قال لما قيل له انك تواصل فقال إني لست في ذلك كهيئتكم أي على صفتكم في أن من أكل منكم أو شرب انقطع وصاله بل إنما يطعمني ربي ويسقيني ولا تنقطع بذلك مواصلتى فطعامى وشرابى على غير طعامكم وشرابكم صورة ومعنى وقال الزين بن المنير هو محمول على أن أكله وشربه في تلك الحالة كحال النائم الذي يحصل له الشبع والري بالأكل والشرب ويستمر له ذلك حتى يستيقظ ولا يبطل بذلك صومه ولا ينقطع وصاله ولا ينقص أجره وحاصله أنه يحمل ذلك على حالة استغراقه صلى الله عليه وسلّم في أحواله الشريفة حتى لا يؤثر فيه حينئذ شيء من الأحوال البشرية وقال الجمهور قوله يطعمني ويسقيني مجاز عن لازم الطعام والشراب وهو القوة فكأنه قال يعطيني قوة الآكل والشارب ويفيض على ما يسد مسد الطعام والشراب ويقوى