عن وقت الحاجة لا يجوز قاله النووي وتعقب بأن سؤال حمزة إنما كان عن الصوم في السفر لا عن صوم الدهر ولا يلزم من سرد الصيام صوم الدهر فقد قال أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يسرد الصوم فيقال لا يفطر أخرجه أحمد ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يكن يصوم الدهر فلا يلزم من ذكر السرد صيام الدهر وأجابوا عن حديث أبي موسى المقدم ذكره بأن معناه ضيقت عليه فلا يدخلها فعلى هذا تكون على بمعنى عن أي ضيقت عنه وهذا التأويل حكاه الأثرم عن مسدد وحكى رده عن أحمد وقال بن خزيمة سألت المزني عن هذا الحديث فقال يشبه أن يكون معناه ضيقت عنه فلا يدخلها ولا يشبه أن يكون على ظاهره لأن من أزداد لله عملا وطاعة ازداد عند الله رفعة وعلته كرامة ورجح هذا التأويل جماعة منهم الغزالي فقالوا له مناسبة من جهة أن الصائم لما ضيق على نفسه مسالك الشهوات بالصوم ضيق الله عليه النار فلا يبقى له فيها مكان لأنه ضيق طرقها بالعبادة وتعقب بأنه ليس كل عمل صالح إذا ازداد العبد منه ازداد من الله تقربا بل رب عمل صالح إذا ازداد منه ازداد بعدا كالصلاة في الأوقات المكروهة والأولى أجراء الحديث على ظاهره وحمله على من فوت حقا واجبا بذلك فإنه يتوجه إليه الوعيد ولا يخالف القاعدة التي أشار إليها المزني ومن حجتهم أيضا قوله صلى الله عليه وسلّم في بعض طرق حديث الباب كما تقدم في الطريقين الماضيين فإن الحسنة بعشرة أمثالها وذلك مثل صيام الدهر وقوله فيما رواه مسلم من صام رمضان واتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر قالوا فدل ذلك على أن صوم الدهر أفضل مما شبه به وأنه أمر مطلوب وتعقب بأن التشبيه في الأمر المقدر لا يقتضى جوازه فضلا عن استحبابه وإنما المراد حصول الثواب على تقدير مشروعية صيام ثلاثمائة وستين يوما ومن المعلوم أن المكلف لا يجوز له صيام جميع السنة فلا يدل التشبيه على أفضلية المشبه به من كل وجه واختلف المجيزون لصوم الدهر بالشرط المتقدم هل هو أفضل أو صيام يوم وافطار يوم أفضل فصرح جماعة من العلماء بان صوم الدهر أفضل لأنه أكثر عملا فيكون أكثر أجرا وما كان أكثر أجرا كان أكثر ثوابا وبذلك جزم الغزالي أولا وقيده بشرط أن لا يصوم الأيام المنهي عنها وأن لا يرغب عن السنة بأن يجعل الصوم حجرا على نفسه فإذا أمن من ذلك فالصوم من أفضل الأعمال فالاستكثار منه زيادة في الفضل وتعقبه بن دقيق العيد بان الأعمال متعارضة المصالح والمفاسد ومقدار كل منها في الحث والمنع غير متحقق فزيادة الأجر بزيادة العمل في شيء يعارضه اقتضاء العادة التقصير في حقوق أخرى يعارضها العمل المذكور ومقدار الفائت من ذلك مع مقدار الحاصل غير متحقق فالأولى التفويض إلى حكم الشارع ولما دل عليه ظاهر قوله لا أفضل من ذلك وقوله إنه أحب الصيام إلى الله تعالى وذهب جماعة منهم المتولى من الشافعية إلى أن صيام داود أفضل وهو ظاهر الحديث بل صريحه ويترجح من حيث المعنى أيضا بان صيام الدهر قد يفوت بعض الحقوق كما تقدم وبأن من اعتاده فإنه لا يكاد يشق عليه بل تضعف شهوته عن الأكل وتقل حاجته إلى الطعام والشراب نهارا ويألف تناوله في الليل بحيث يتجدد له طبع زائد بخلاف من يصوم يوما ويفطر يوما فإنه ينتقل من فطر إلى صوم ومن صوم إلى فطر وقد نقل الترمذي عن بعض أهل العلم أنه أشق الصيام ويامن مع ذلك غالبا من تفويت الحقوق كما تقدمت الإشارة إليه فيما تقدم قريبا في حق داود عليه السلام ولا يفر إذا لاقى لأن من أسباب الفرار ضعف الجسد ولا شك أن سرد الصوم ينهكه وعلى ذلك يحمل قول بن مسعود فيما رواه سعيد بن منصور بإسناد صحيح عنه أنه قيل له انك لتقل الصيام فقال إني أخاف أن يضعفنى عن القراءة والقراءة