من طريق أبي سلمة ومن طريق عبد الله بن شقيق جميعا عن عائشة أنها سئلت عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالت كان يصوم حتى نقول قد صام ويفطر حتى نقول قد أفطر وتقدم نحوه قريبا في البخاري من حديث بن عباس وغيره فأبقى الترجمة على الاستفهام ليترجح أحد الخبرين أو يتبين الجمع بينهما ويمكن الجمع بينهما بان قولها كان عمله ديمة معناه أن اختلاف حاله في الإكثار من الصوم ثم من الفطر كان مستداما مستمرا وبأنه صلى الله عليه وسلّم كان يوظف على نفسه العبادة فربما شغله عن بعضها شاغل فيقضيها على التوالى فيشتبه الحال على من يرى ذلك فقول عائشة كان عمله ديمة منزل على التوظيف وقولها كان لا تشاء أن تراه صائما الا رايته منزل على الحال الثاني وقد تقدم نحو هذا في باب ما يذكر من صوم النبي صلى الله عليه وسلّم وقيل معناه أنه كان لا يقصد نفلا ابتداء في يوم بعينه فيصومه بل إذا صام يوما بعينه كالخميس مثلا داوم على صومه .
1886 - قوله حدثنا يحيى هو القطان وسفيان هو الثوري ومنصور هو بن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وعلقمة خاله وهذا الإسناد مما يعد من أصح الأسانيد قوله هل كان يختص من الأيام شيئا قالت لا قال بن التين استدل به بعضهم على كراهة تحرى صيام يوم من الأسبوع وأجاب الزين بن المنير بأن السائل في حديث عائشة إنما سأل عن تخصيص يوم من الأيام من حيث كونها أياما وأما ما ورد تخصيصه من الأيام بالصيام فإنما خصص لأمر لا يشاركه فيه بقية الأيام كيوم عرفة ويوم عاشوراء وأيام البيض وجميع ما عين لمعنى خاص وإنما سأل عن تخصيص يوم لكونه مثلا يوم السبت ويشكل على هذا الجواب صوم الإثنين والخميس فقد وردت فيهما أحاديث وكأنها لم تصح على شرط البخاري فلهذا أبقى الترجمة على الاستفهام فإن ثبت فيهما ما يقتضى تخصيصهما استثنى من عموم قول عائشة لا قلت ورد في صيام يوم الإثنين والخميس عدة أحاديث صحيحة منها حديث عائشة أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وصححه بن حبان من طريق ربيعة الجرشي عنها ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يتحرى صيام الإثنين والخميس وحديث أسامة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصوم يوم الإثنين والخميس فسألته فقال إن الأعمال تعرض يوم الإثنين والخميس فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم أخرجه النسائي وأبو داود وصححه بن خزيمة فعلى هذا فالجواب عن الاشكال أن يقال لعل المراد بالأيام المسئول عنها الأيام الثلاثة من كل شهر فكان السائل لما سمع أنه صلى الله عليه وسلّم كان يصوم ثلاثة أيام ورغب في أنها تكون أيام البيض سأل عائشة هل كان يخصها بالبيض فقالت لا كان عمله ديمة تعني لو جعلها البيض لتعينت وداوم عليها لأنه كان يحب أن يكون عمله دائما لكن أراد التوسعة بعدم تعينها فكان لا يبالي من أي الشهر صامها كما تقدمت الإشارة إليه في باب صيام البيض وأن مسلما روى من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلّم كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وما يبالي من أي الشهر صام وقد أورد بن حبان حديث الباب وحديث عائشة في صيام الإثنين والخميس وحديثها كان يصوم حتى نقول لا يفطر وأشار إلى أن بينهما تعارضا ولم يفصح عن كيفية الجمع بينهما وقد فتح الله بذلك فضله قوله يختص في رواية جرير عن منصور في الرقاق يخص بغير مثناة قوله ديمة بكسر أوله وسكون التحتانية أي دائما قال أهل اللغة الديمة مطر يدوم أياما ثم أطلقت على كل شيء يستمر قوله وأيكم يطيق في رواية جرير يستطيع في الموضعين والمعنى متقارب