الاستقالة لم تمنعه من المفارقة لأنها لا تختص بمجلس العقد وقد أثبت في أول الحديث الخيار ومده إلى غاية التفرق ومن المعلوم أن من له الخيار لا يحتاج إلى الاستقالة فتعين حملها على الفسخ وعلى ذلك حمله الترمذي وغيره من العلماء فقالوا معناه لا يحل له أن يفارقه بعد البيع خشية أن يختار فسخ البيع لأن العرب تقول استقلت ما فات عنى إذا استدركه فالمراد بالاستقالة فسخ النادم منهما للبيع وحملوا نفى الحل على الكراهة لأنه لا يليق بالمروءة وحسن معاشرة المسلم الا أن اختيار الفسخ حرام قال بن حزم احتجاجهم بحديث عمرو بن شعيب على التفرق بالكلام لقوله فيه خشية أن يستقيله لكون الاستقالة لا تكون الا بعد تمام البيع وصحة انتقال الملك تستلزم أن يكون الخبر المذكور لا فائدة له لأنه يلزم من حمل التفرق على القول إباحة المفارقة خشي أن يستقيله أو لم يخش وقال بعضهم التفرق بالأبدان في الصرف قبل القبض يبطل العقد فكيف يثبت العقد ما يبطله وتعقب باختلاف الجهة وبالمعارضة بنظيره وذلك أن النقد وترك الأجل شرط لصحة الصرف وهو يفسد السلم عندهم واحتج بعضهم بحديث بن عمر الآتي بعد بابين في قصة البكر الصعب وسيأتي توجيهه وجوابه واحتج الطحاوي بقول بن عمر ما أدركت الصفقة حيا مجموعا فهو من مال المبتاع وتعقب بأنهم يخالفونه أما الحنفية فقالوا هو من مال البائع ما لم يره المبتاع أو ينقله والمالكية قالوا أن كان غائبا غيبة بعيدة فهو من البائع وأنه لا حجة فيه لأن الصفقة فيه محمولة على البيع الذي انبرم لا على ما لم ينبرم جمعا بين كلاميه وقال بعضهم معنى قوله حتى يتفرقا أي حتى يتوافقا يقال للقوم على ماذا تفارقتم أي على ماذا اتفقتم وتعقب بما ورد في بقية حديث بن عمر في جميع طرقه ولا سيما في طريق الليث الآتية في الباب الذي بعد هذا وقال بعضهم حديث البيعان بالخيار جاء بألفاظ مختلفة فهو مضطرب لا يحتج به وتعقب بان الجمع بين ما اختلف من ألفاظه ممكن بغير تكلف ولا تعسف فلا يضره الاختلاف وشرط المضطرب أن يتعذر الجمع بين مختلف ألفاظه وليس هذا الحديث من ذلك وقال بعضهم لا يتعين حمل الخيار في هذا الحديث على خيار الفسخ فلعله أريد به خيار الشراء أو خيار الزيادة في الثمن أو المثمن وأجيب بأن المعهود في كلامه صلى الله عليه وسلّم حيث يطلق الخيار إرادة خيار الفسخ كما في حديث المصراة وكما في حديث الذي يخدع في البيوع وأيضا فإذا ثبت أن المراد بالمتبايعين المتعاقدان فبعد صدور العقد لا خيار في الشراء ولا في الثمن وقال بن عبد البر قد أكثر المالكية والحنفية من الاحتجاج لرد هذا الحديث بما يطول ذكره وأكثره لا يحصل منه شيء وحكى بن السمعاني في الاصطلام عن بعض الحنفية قال البيع عقد مشروع بوصف وحكم فوصفه اللزوم وحكمه الملك وقد تم البيع بالعقد فوجب أن يتم بوصفه وحكمه فأما تأخير ذلك إلى أن يفترقا فليس عليه دليل لأن السبب إذا تم يفيد حكمه ولا ينتفى الا بعارض ومن ادعاه فعليه البيان وأجاب أن البيع سبب للإيقاع في الندم والندم يحوج إلى النظر فاثبت الشارع خيار المجلس نظرا للمتعاقدين ليسلما من الندم ودليله خيار الرؤية عندهم وخيار الشرط عندنا قال ولو لزم العقد بوصفه وحكمه لما شرعت الاقالة لكنها شرعت نظرا للمتعاقدين الا أنها شرعت لاستدراك ندم ينفرد به أحدهما فلم تجب وخيار المجلس شرع لاستدراك ندم يشتركان فيه فوجب