النهي على ما إذا كان المالك أحوج من المار لحديث أبي هريرة بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في سفر إذ رأينا إبلا مصرورة فثبنا إليها فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم إن هذه الإبل لأهل بيت من المسلمين هو قوتهم أيسركم لو رجعتم إلى مزاودكم فوجدتم ما فيها قد ذهب قلنا لا قال فإن ذلك كذلك أخرجه أحمد وبن ماجة واللفظ له وفي حديث أحمد فابتدرها القوم ليحلبوها قالوا فيحمل حديث الإذن على ما إذا لم يكن المالك محتاجا وحديث النهي على ما إذا كان مستغنيا ومنهم من حمل الإذن على ما إذا كانت غير مصرورة والنهي على ما إذا كانت مصرورة لهذا الحديث لكن وقع عند أحمد في آخره فإن كنتم لا بد فاعلين فاشربوا ولا تحملوا فدل على عموم الإذن في المصرور وغيره لكن بقيد عدم الحمل ولا بد منه واختار بن العربي الحمل على العادة قال وكانت عادة أهل الحجاز والشام وغيرهم المسامحة في ذلك بخلاف بلدنا قال ورأى بعضهم أن مهما كان على طريق لا يعدل إليه ولا يقصد جاز للمار الأخذ منه وفيه إشارة إلى قصر ذلك على المحتاج وأشار أبو داود في السنن إلى قصر ذلك على المسافر في الغزو وآخرون إلى قصر الإذن على ما كان لأهل الذمة والنهي على ما كان للمسلمين واستؤنس بما شرطه الصحابة على أهل الذمة من ضيافة المسلمين وصح ذلك عن عمر وذكر بن وهب عن مالك في المسافر ينزل بالذمي قال لا يأخذ منه شيئا إلا بإذنه قيل له فالضيافة التي جعلت عليهم قال كانوا يومئذ يخفف عنهم بسببها وأما الآن فلا وجنح بعضهم إلى نسخ الإذن وحملوه على أنه كان قبل إيجاب الزكاة قالوا وكانت الضيافة حينئذ واجبة ثم نسخ ذلك بفرض الزكاة قال الطحاوي وكان ذلك حين كانت الضيافة واجبة ثم نسخت فنسخ ذلك الحكم وأورد الأحاديث في ذلك وسيأتي الكلام على حكم الضيافة في المظالم قريبا إن شاء الله تعالى وقال النووي في شرح المهذب اختلف العلماء فيمن مر ببستان أو زرع أو ماشية قال الجمهور لا يجوز أن يأخذ منه شيئا الا في حال الضرورة فيأخذ ويغرم عند الشافعي والجمهور وقال بعض السلف لا يلزمه شيء وقال أحمد إذا لم يكن على البستان حائط جاز له الأكل من الفاكهة الرطبة في أصح الروايتين ولو لم يحتج لذلك وفي الأخرى إذا أحتاج ولا ضمان عليه في الحالين وعلق الشافعي القول بذلك على صحة الحديث قال البيهقي يعني حديث بن عمر مرفوعا إذا مر أحدكم بحائط فليأكل ولا يتخذ خبيئة أخرجه الترمذي واستغربه قال البيهقي لم يصح وجاء من أوجه أخر غير قوية قلت والحق أن مجموعها لا يقصر عن درجة الصحيح وقد احتجوا في كثير من الأحكام بما هو دونها وقد بينت ذلك في كتابي المنحة فيما علق الشافعي القول به على الصحة وفي الحديث ضرب الأمثال للتقريب للافهام وتمثيل ما قد يخفى بما هو أوضح منه واستعمال القياس في النظائر وفيه ذكر الحكم بعلته وإعادته بعد ذكر العلة تأكيدا وتقريرا وأن القياس لا يشترط في صحته مساواة الفرع للأصل بكل اعتبار بل ربما كانت للأصل مزية لا يضر سقوطها في الفرع إذا تشاركا في أصل الصفة لأن الضرع لا يساوي الخزانة في الحرز كما أن الصر لا يساوي القفل فيه ومع ذلك فقد ألحق الشارع الضرع المصرور في الحكم بالخزانة المقفلة في تحريم تناول كل منهما بغير إذن صاحبه أشار إلى ذلك بن المنير وفيه إباحة خزن الطعام واحتكاره إلى وقت الحاجة إليه خلافا لغلاة المتزهدة المانعين من الادخار مطلقا قاله القرطبي وفيه أن اللبن يسمى طعاما فيحنث به من حلف لا يتناول طعاما الا أن يكون له نية في إخراج اللبن قاله النووي قال وفيه أن بيع لبن الشاة بشاة في ضرعها لبن باطل وبه قال الشافعي والجمهور وأجازه الأوزاعي وفيه أن الشاة إذا كان لها لبن مقدور على حلبه قابله قسط من الثمن قاله الخطابي وهو يؤيد خبر المصراة ويثبت حكمها في تقويم اللبن وفيه أن من حلب من ضرع ناقة أو غيرها في