وصبروا على الطاعة حين ظهور المعاصي والفتن كانوا أيضا عند ذلك غرباء وزكت أعمالهم في ذلك الزمان كما زكت أعمال أولئك ويشهد له ما رواه مسلم عن أبي هريرة رفعه بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء وقد تعقب كلام بن عبد البر بأن مقتضى كلامه ان يكون فيمن يأتي بعد الصحابة من يكون أفضل من بعض الصحابة وبذلك صرح القرطبي لكن كلام بن عبد البر ليس على الإطلاق في حق جميع الصحابة فإنه صرح في كلامه باستثناء أهل بدر والحديبية نعم والذي ذهب إليه الجمهور ان فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل لمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلّم واما من اتفق له الذب عنه والسبق إليه بالهجرة أو النصرة وضبط الشرع المتلقي عنه وتبليغه لمن بعده فإنه لا يعدله أحد ممن يأتي بعده لأنه ما من خصلة من الخصال المذكورة الا وللذي سبق بها مثل أجر من عمل بها من بعده فظهر فضلهم ومحصل النزاع يتمحض فيمن لم يحصل له الا مجرد المشاهدة كما تقدم فان جمع بين مختلف الأحاديث المذكورة كان متجها على ان حديث للعامل منهم أجر خمسين منكم لا يدل على أفضلية غير الصحابة على الصحابة لان مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة وأيضا فالاجر انما يقع تفاضله بالنسبة إلى ما يماثله في ذلك العمل فاما ما فاز به من شاهد النبي صلى الله عليه وسلّم من زيادة فضيلة المشاهدة فلا يعدله فيها أحد فبهذه الطريق يمكن تأويل الأحاديث المتقدمة واما حديث أبي جمعة فلم تتفق الرواة على لفظه فقد رواه بعضهم بلفظ الخيرية كما تقدم ورواه بعضهم بلفظ قلنا يا رسول الله هل من قوم أعظم منا اجرا الحديث أخرجه الطبراني وإسناد هذه الرواية أقوى من إسناد الرواية المتقدمة وهي توافق حديث أبي ثعلبة وقد تقدم الجواب عنه والله أعلم قوله فلا أدري اذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة وقع مثل هذا الشك في حديث بن مسعود وأبي هريرة عند مسلم وفي حديث بريدة عند احمد وجاء في أكثر الطرق بغير شك منها عن النعمان بن بشير عند احمد وعن مالك عند مسلم عن عائشة قال رجل يا رسول الله أي الناس خير قال القرن الذي انا فيه ثم الثاني ثم الثالث ووقع في رواية الطبراني وسمويه ما يفسر به هذا السؤال وهو ما أخرجاه من طريق بلال بن سعد بن تميم عن أبيه قال قلت يا رسول الله أي الناس خير فقال انا وقرني فذكر مثله وللطيالسي من حديث عمر رفعه خير أمتي القرن الذي انا منهم ثم الثاني ثم الثالث ووقع في حديث جعدة بن هبيرة عند بن أبي شيبة والطبراني اثبات القرن الرابع ولفظه خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الاخرون اردأ ورجاله ثقات الا ان جعدة مختلف في صحبته والله اعلم قوله ثم ان بعدهم قوما كذا للأكثر ولبعضهم قوم فيحتمل ان يكون من الناسخ على طريقة من لايكتب الالف في المنصوب ويحتمل ان تكون ان تقريرية بمعنى نعم وفيه بعد وتكلف واستدل بهذا الحديث على تعديل أهل القرون الثلاثة وان تفاوتت منازلهم في الفضل وهذا محمول على الغالب والاكثرية فقد وجد فيمن بعد الصحابة من القرنين من وجدت فيه الصفات المذكورة المذمومة لكن بقلة بخلاف من بعد القرون الثلاثة فان ذلك كثر فيهم واشتهر وفيه بيان من ترد شهادتهم وهم من اتصف بالصفات المذكورة والى ذلك الإشارة بقوله ثم يفشو الكذب أي يكثر واستدل به على جواز المفاضلة بين الصحابة قاله المازري وقد تقدم باقي شرحه في الشهادات الحديث الثالث حديث بن مسعود في المعنى وقد تقدم في الشهادات سندا ومتنا وتقدم من شرحه هناك ما يتعلق بالشهادات والله اعلم