في كل سماء بيتا معمورا وان الذي في السماء الدنيا حيال الكعبة وكان المناسب ان يصعد من مكة ليصل إلى البيت المعمور بغير تعويج لأنه صعد من سماء إلى سماء إلى البيت المعمور وقد ذكر غيره مناسبات أخرى ضعيفة فقيل الحكمة في ذلك ان يجمع صلى الله عليه وسلّم في تلك الليلة بين رؤية القبلتين أو لان بيت المقدس كان هجرة غالب الأنبياء قبله فحصل له الرحيل إليه في الجملة ليجمع بين اشتات الفضائل أو لأنه محل الحشر وغالب ما اتفق له في تلك الليلة يناسب الأحوال الاخروية فكان المعراج منه أليق بذلك أو للتفاؤل بحصول أنواع التقديس له حسا ومعنى أو ليجتمع بالأنبياء جملة كما سيأتي بيانه وسيأتي مناسبة أخرى للشيخ بن أبي جمرة قريبا والعلم عند الله وقد اختلف السلف بحسب اختلاف الاخبار الواردة فمنهم من ذهب إلى ان الإسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة في اليقظة بجسد النبي صلى الله عليه وسلّم وروحه بعد المبعث والى هذا ذهب الجمهور من علماء المحدثين والفقهاء والمتكلمين وتواردت عليه ظواهر الاخبار الصحيحة ولا ينبغي العدول عن ذلك إذ ليس في العقل ما يحيله حتى يحتاج إلى تأويل نعم جاء في بعض الاخبار ما يخالف بعض ذلك فجنح لاجل ذلك بعض أهل العلم منهم إلى ان ذلك كله وقع مرتين مرة في المنام توطئة وتمهيدا ومرة ثانية في اليقظة كما وقع نظير ذلك في ابتداء مجيء الملك بالوحي فقد قدمت في أول الكتاب ما ذكره بن ميسرة التابعي الكبير وغيره ان ذلك وقع في المنام وانهم جمعوا بينه وبين حديث عائشة بان ذلك وقع مرتين والى هذا ذهب المهلب شارح البخاري وحكاه عن طائفة وأبو نصر بن القشيري ومن قبلهم أبو سعيد في شرف المصطفى قال كان للنبي صلى الله عليه وسلّم معاريج منها ما كان في اليقظة ومنها ما كان في المنام وحكاه السهيلي عن بن العربي واختاره وجوز بعض قائلي ذلك ان تكون قصة المنام وقعت قبل المبعث لاجل قول شريك في روايته عن أنس وذلك قبل ان يوحى إليه وقد قدمت في آخر صفة النبي صلى الله عليه وسلّم بيان ما يرتفع به الاشكال ولا يحتاج معه إلى هذا التاويل ويأتي بقية شرحه في الكلام على حديث شريك وبيان ما خالفه فيه غيره من الرواة والجواب عن ذلك وشرحه مستوفى في كتاب التوحيد ان شاء الله تعالى وقال بعض المتأخرين كانت قصة الإسراء في ليلة المعراج في ليلة متمسكا بما ورد في حديث أنس من رواية شريك من ترك ذكر الإسراء وكذا في ظاهر حديث مالك بن صعصعة هذا ولكن ذلك لا يستلزم التعدد بل هو محمول على ان بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الاخر كما سنبينه وذهب بعضهم إلى ان الإسراء كان في اليقظة والمعراج كان في المنام أو ان الاختلاف في كونه يقظة أو مناما خاص بالمعراج لا بالاسراء ولذلك لما أخبر به قريشا كذبوه في الإسراء واستبعدوا وقوعه ولم يتعرضوا للمعراج وأيضا فإن الله سبحانه وتعالى قال سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فلو وقع المعراج في اليقظة لكان ذلك ابلغ في الذكر فلما لم يقع ذكره في هذا الموضع مع كون شانه اعجب وأمره أغرب من الإسراء بكثير دل على انه كان مناما واما الإسراء فلو كان مناما لما كذبوه ولا استنكروه لجواز وقوع مثل ذلك وأبعد منه لآحاد الناس وقيل كان الإسراء مرتين في اليقظة فالأولى رجع من بيت المقدس وفي صبيحته أخبر قريشا بما وقع والثانية أسري به إلى بيت المقدس ثم عرج به من ليلته إلى السماء إلى اخر ما وقع ولم يقع لقريش في ذلك اعتراض لأن ذلك عندهم من جنس قوله ان الملك يأتيه من السماء في أسرع من طرفة عين وكانوا يعتقدون استحالة ذلك مع قيام الحجة على صدقه بالمعجزات الباهرة لكنهم عاندوا في ذلك واستمروا على تكذيبه فيه بخلاف اخباره انه جاء بيت المقدس في ليلة واحدة ورجع