نزل النبي صلى الله عليه وسلّم عن بغلته فأما رواية إسرائيل فوصلها المصنف في باب من قال خذها وأنا بن فلان من كتاب الجهاد ولفظه كان أبو سفيان بن الحارث آخذا بعنان بغلته فلما غشيه المشركون نزل وقد تقدم شرح ذلك وأما رواية زهير فوصلها أيضا في باب من صف أصحابه عند الهزيمة وقد ذكرت لفظه قريبا ولمسلم من حديث سلمة بن الأكوع لما غشوا النبي صلى الله عليه وسلّم نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب ثم استقبل به وجوههم فقال شاهت الوجوه فما خلق الله منهم إنسانا الا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا منهزمين ولأحمد وأبي داود والترمذي من حديث أبي عبد الرحمن الفهرى في قصة حنين قال فولى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم أيا عباد الله أنا عبد الله ورسوله ثم اقتحم عن فرسه فأخذ كفا من تراب قال فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني أنه ضرب به وجوههم وقال شاهت الوجوه فهزمهم قال يعلىبن عطاء راوية عن أبي همام عن أبي عبد الرحمن الفهري قال فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا لم يبق منا أحد الا امتلأت عيناه وفمه ترابا ولأحمد والحاكم من حديث بن مسعود ورسول الله صلى الله عليه وسلّم على بغلته قدما فحادت به بغلته فمال عن السرج فقلت ارتفع رفعك الله فقال ناولنى كفا من تراب فضرب به وجوههم فامتلأت أعينهم ترابا وجاء المهاجرون والأنصار سيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب فولى المشركون الادبار وللبزار من حديث بن عباس أن عليا ناول النبي صلى الله عليه وسلّم التراب فرمى به في وجوه المشركين يوم حنين ويجمع بين هذه الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلّم أولا قال لصاحبه ناولني فناوله فرماهم ثم نزل عن البغلة فأخذ بيده فرماهم أيضا فيحتمل أن الحصي في إحدى المرتين وفي الأخرى التراب والله أعلم وفي الحديث من الفوائد حسن الأدب في الخطاب والارشاد إلى حسن السؤال بحسن الجواب وذم الإعجاب وفيه جواز الانتساب إلى الآباء ولو ماتوا في الجاهلية والنهي عن ذلك محمول على ما هو خارج الحرب ومثله الرخصة في الخيلاء في الحرب دون غيرها وجواز التعرض إلى الهلاك في سبيل الله ولا يقال كان النبي صلى الله عليه وسلّم متيقنا للنصر لوعد الله تعالى له بذلك وهو حق لآن أبا سفيان بن الحارث قد ثبت معه آخذا بلجام بغلته وليس هو في اليقين مثل النبي صلى الله عليه وسلّم وقد استشهد في تلك الحالة أيمن بن أم أيمن كما تقدمت الإشارة إليه في شعر العباس وفيه ركوب البغلة إشارة إلى مزيد الثبات لأن ركوب الفحولة مظنة الاستعداد للفرار والتولى وإذا كان رأس الجيش قد وطن نفسه على عدم الفرار وأخذ بأسباب ذلك كان ذلك ادعى لاتباعه على الثبات وفيه شهرة الرئيس نفسه في الحرب مبالغة في الشجاعة وعدم المبالاة بالعدو