الروايات بصيغة الترجي وهو من الله واقع ووقع في حديث أبي هريرة عند بن أبي شيبة بصيغة الجزم وقد تقدم بيان ذلك واضحا في باب فضل من شهد بدرا من كتاب المغازي قوله اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم كذا في معظم الطرق وعند الطبري من طريق معمر عن الزهري عن عروة فإني غافر لكم وهذا يدل على أن المراد بقوله غفرت أي أغفر على طريق التعبير عن الآتي بالواقع مبالغة في تحققه وفي مغازي بن عائذ من مرسل عروة اعملوا ما شئتم فسأغفر لكم والمراد غفران ذنوبهم في الآخرة وإلا فلو وجب على أحدهم حد مثلا لم يسقط في الدنيا وقال بن الجوزي ليس هذا على الاستقبال وإنما هو على الماضي تقديره اعملوا ما شئتم أي عمل كان لكم فقد غفر قال لأنه لو كان للمستقبل كان جوابه فسأغفر لكم ولو كان كذلك لكان إطلاقا في الذنوب ولا يصح ويبطله أن القوم خافوا من العقوبة بعد حتى كان عمر يقول يا حذيفة بالله هل أنا منهم وتعقبه القرطبي بان اعملوا صيغة أمر وهي موضوعة للاستقبال ولم تضع العرب صيغة الأمر للماضي لا بقرينة ولا بغيرها لأنهما بمعنى الإنشاء والابتداء وقوله اعملوا ما شئتم يحمل على طلب الفعل ولا يصح أن يكون بمعنى الماضي ولا يمكن أن يحمل على الإيجاب فتعين للإباحة قال وقد ظهر لي أن هذا الخطاب خطاب إكرام وتشريف تضمن أن هؤلاء حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السالفة وتأهلوا أن يغفر لهم ما يستأنف من الذنوب اللاحقة ولا يلزم من وجود الصلاحية للشيء وقوعه وقد أظهر الله صدق رسوله في كل من أخبر عنه بشيء من ذلك فإنهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنة إلى أن فارقوا الدنيا ولو قدر صدور شيء من أحدهم لبادر إلى التوبة ولازم الطريق المثلى ويعلم ذلك من أحوالهم بالقطع من اطلع على سيرهم انتهى ويحتمل أن يكون المراد بقوله فقد غفرت لكم أي ذنوبكم تقع مغفورة لا أن المراد أنه لا يصدر منهم ذنب وقد شهد مسطح بدرا ووقع في حق عائشة كما تقدم في تفسير سورة النور فكأن الله لكرامتهم عليه بشرهم على لسان نبيه أنهم مغفور لهم ولو وقع منهم ما وقع وقد تقدم بعض مباحث هذه المسألة في أواخر كتاب الصيام في الكلام على ليلة القدر ونذكر بقية شرح هذا الحديث في كتاب الديات أن شاء الله تعالى قوله قال عمرو هو بن دينار وهو موصول بالإسناد المذكور قوله ونزلت فيه يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء سقط أولياء لغير أبي ذر قوله قال لا أدري الآية في الحديث أو قول عمرو هذا الشك من سفيان بن عيينة كما سأوضحه قوله حدثنا علي هو بن المديني قال قيل لسفيان في هذا فنزلت لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء الآية قال سفيان هذا في حديث الناس يعني هذه الزيادة يريد الجزم برفع هذا القدر قوله حفظته من عمرو ما تركت منه حرفا وما أرى أحدا حفظه غيري وهذا يدل على أن هذه الزيادة لم يكن سفيان يجزم برفعها وقد أدرجها عنه بن أبي عمر أخرجه الإسماعيلي من طريقه فقال في آخر الحديث قال وفيه نزلت هذه الآية وكذا أخرجه مسلم عن بن أبي عمر وعمرو الناقد وكذا أخرجه الطبري عن عبيد بن إسماعيل والفضل بن الصباح والنسائي عن محمد بن منصور كلهم عن سفيان واستدل باستئذان عمر على قتل حاطب لمشروعية قتل الجاسوس ولو كان مسلما وهو قول مالك ومن وافقه ووجه الدلالة أنه صلى الله عليه وسلّم أقر عمر على إرادة القتل لولا المانع وبين المانع هو كون حاطب شهد بدرا وهذا منتف في غير حاطب فلو كان الإسلام مانعا من قتله لما علل بأخص منه وقد بين سياق على أن هذه الزيادة مدرجة وأخرجه مسلم أيضا عن إسحاق بن راهويه عن سفيان