في تأخر نزول آية الطلاق عن آية البقرة واستدل بقوله فأفتاني بأني حللت حين وضعت حملي بأنه يجوز العقد عليها إذا وضعت ولو لم تطهر من دم النفاس وبه قال الجمهور وإلى ذلك أشار بن شهاب في آخر حديثه عند مسلم بقوله ولا أرى بأسا أن تتزوج حين وضعت وأن كانت في دمها غير أنه لا يقربها زوجها حتى تطهر وقال الشعبي والحسن والنخعي وحماد بن سلمة لا تنكح حتى تطهر قال القرطبي وحديث سبيعة حجة عليهم ولا حجة لهم في قوله في بعض طرقه فلما تعلت من نفاسها لأن لفظ تعلت كما يجوز أن يكون معناه طهرت جاز أن يكون استعلت من ألم النفاس وعلى تقدير تسليم الأول فلا حجة فيه أيضا لأنها حكاية واقعة سبيعة والحجة إنما هو في قول النبي صلى الله عليه وسلّم أنها حلت حين وضعت كما في حديث الزهري المتقدم ذكره وفي رواية معمر عن الزهري حللت حين وضعت حملك وكذا أخرجه أحمد من حديث أبي بن كعب أن امرأته أم الطفيل قالت لعمر قد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم سبيعة أن تنكح إذا وضعت وهو ظاهر القرآن في قوله تعالى أن يضعن حملهن فعلق الحل بحين الوضع وقصره عليه ولم يقل إذا طهرت ولا إذا انقطع دمك فصح ما قال الجمهور وفي قصة سبيعة من الفوائد أن الصحابة كانوا يفتون في حياة النبي صلى الله عليه وسلّم وأن المفتي إذا كان له ميل إلى الشيء لا ينبغي له أن يفتي فيه لئلا يحمله الميل إليه على ترجيح ما هو مرجوح كما وقع لأبي السنابل حيث أفتي سبيعة أنها لا تحل بالوضع لكونه كان خطبها فمنعته ورجا أنها إذا قبلت ذلك منه وانتظرت مضى المدة حضر أهلها فرغبوها في زواجه دون غيره وفيه ما كان في سبيعة من الشهامة والفطنة حيث ترددت فيما أفتاها به حتى حملها ذلك على استيضاح الحكم من الشارع وهكذا ينبغي لمن ارتاب في فتوى المفتى أو حكم الحاكم في مواضع الاجتهاد أن يبحث عن النص في تلك المسألة ولعل ما وقع من أبي السنابل من ذلك هو السر في إطلاق النبي صلى الله عليه وسلّم أنه كذب في الفتوى المذكورة كما أخرجه أحمد من حديث بن مسعود على أن الخطأ قد يطلق عليه الكذب وهو في كلام أهل الحجاز كثير وحمله بعض العلماء على ظاهره فقال إنما كذبه لأنه كان عالما بالقصة وأفتى بخلافه حكاه بن داود عن الشافعي في شرح المختصر وهو بعيد وفيه الرجوع في الوقائع إلى الأعلم ومباشرة المرأة السؤال عما ينزل بها ولو كان مما يستحي النساء من مثله لكن خروجها من منزلها ليلا يكون أستر لها كما فعلت سبيعة وفيه أن الحامل تنقضي عدتها بالوضع على أي صفة كان من مضغة أو من علقة سواء استبان خلق الآدمي أم لا لأنه صلى الله عليه وسلّم رتب الحل على الوضع من غير تفصيل وتوقف بن دقيق العيد فيه من جهة أن الغالب في إطلاق وضع الحامل هو الحمل التام المتخلق وأما خروج المضغة أو العلقة فهو نادر والحمل على الغالب أقوى ولهذا نقل عن الشافعي قول بأن العدة لا تنقضي بوضع قطعة لحم ليس فيها صورة بينة ولا خفية وأجيب عن الجمهور بأن المقصود في انقضاء العدة براءة الرحم وهو حاصل بخروج المضغة أو العلقة بخلاف أم الولد فإن المقصود منها الولادة وما لا يصدق عليه أنه أصل آدمي لا يقال فيه ولدت وفيه جواز تجمل المرأة بعد انقضاء عدتها لمن يخطبها لأن في رواية الزهري التي في المغازي فقال مالي أراك تجملت للخطاب وفي رواية بن إسحاق فتهيأت للنكاح واختضبت وفي رواية معمر عن الزهري عند أحمد فلقيها أبو السنابل وقد اكتحلت وفي رواية الأسود فتطيبت وتصنعت وذكر الكرماني أنه وقع في بعض طرق حديث سبيعة أن زوجها مات وهي حاملة وفي معظمها حامل وهو الأشهر لأن الحمل من صفات النساء فلا يحتاج إلى علامة التأنيث ووجه الأول أنه أريد بأنها ذات حمل بالفعل كما قيل في قوله تعالى تذهل كل