إمكان الجمع وأما الاحتمال الثالث فبعيد من مساق الحديث والذي بعده أبعد منه ويحتمل أيضا أنهما لما كانا خبرين متغايرين عن حكمين مختلفين لا ملازمة بينهما جاز عنده أن يحدث بأحدهما ويسكت عن الآخر حسبما تدعو إليه الحاجة قاله القرطبي في المفهم قال ويحتمل أن يكون خاف اعتقاد جاهل يظنهما متناقضين فسكت عن أحدهما وكان إذا أمن ذلك حدث بهما جميعا قال القرطبي وفي جواب النبي صلى الله عليه وسلّم للأعرابي جواز مشافهة من وقعت له شبهة في اعتقاده بذكر البرهان العقلي إذا كان السائل أهلا لفهمه وأما من كان قاصرا فيخاطب بما يحتمله عقله من الاقناعيات قال وهذه الشبهة التي وقعت للأعرابي هي التي وقعت للطبائعيين أولا وللمعتزلة ثانيا فقال الطبائعيون بتأثير الأشياء بعضها في بعض وإيجادها إياها وسموا المؤثر طبيعة وقال المعتزلة بنحو ذلك في الحيوانات والمتولدات وأن قدرهم مؤثرة فيها بالايجاد وأنهم خالقون لافعالهم مستقلون باختراعها واستند الطائفتان إلى المشاهدة الحسية ونسبوا من أنكر ذلك إلى إنكار البديهة وغلط من قال ذلك منهم غلطا فاحشا لالتباس إدراك الحس بإدراك العقل فإن المشاهد إنما هو تأثير شيء عند شيء آخر وهذا حظ الحس فإما تأثيره فهو فيه حظ العقل فالحس أدرك وجود شيء عند وجود شيء وارتفاعه عند ارتفاعه أما إيجاده به فليس للحس فيه مدخل فالعقل هو الذي يفرق فيحكم بتلازمهما عقلا أو عادة مع جواز التبدل عقلا والله أعلم وفيه وقوع تشبيه الشيء بالشيء إذا جمعهما وصف خاص ولو تباينا في الصورة وفيه شدة ورع أبي هريرة لأنه مع كون الحارث أغضبه حتى تكلم بغير العربية خشي أن يظن الحارث أنه قال فيه شيئا يكرهه ففسر له في الحال ما قال والله أعلم