ومنه في الحديث غير الدجال أخوفني عليكم والأصل فيه أخوف مخوفاتي عليكم فحذف المضاف إلى الياء وأقيمت هي مقامه فاتصل أخوف بها مقرونة بالنون وذلك أن أفعل التفضيل شبيه بفعل التعجب وحاصل كلامه أن النون الباقية هي نون الوقاية ونون الجمع حذفت كما تدل عليه الرواية الأخرى بلفظ صادقي ويمكن تخريجه أيضا على أن النون الباقية هي نون الجمع فإن بعض النحاة أجاز في الجمع المذكر السالم أن يعرب بالحركات على النون مع الواو ويحتمل أن تكون الياء في محل نصب بناء على أن مفعول اسم الفاعل إذا كان ضميرا بارزا متصلا به كان في محل نصب وتكون النون على هذا أيضا نون الجمع قوله من أبوكم قالوا أبونا فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم كذبتم بل أبوكم فلان فقالوا صدقت وبررت بكسر الراء الأولى وحكى فتحها وهو من البر قوله نكون فيها يسيرا ثم تخلفوننا فيها بضم اللام مخففا أي تدخلون فتقيمون في المكان الذي كنا فيه وضبطه الكرماني بتشديد اللام وقد أخرج الطبري من طريق عكرمة قال خاصمت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه فقالوا لن ندخل النار إلا أربعين ليلة وسيخلفنا إليها قوم آخرون يعنون محمدا وأصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم بيده على رؤوسهم بل أنتم خالدون يخلدون لا يخلفكم فيها أحد فأنزل الله تعالى وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة الآية ومن طريق بن إسحاق عن سيف بن سليم عن مجاهد عن بن عباس أن اليهود كانوا يقولون هذه الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب بكل ألف سنة يوما في النار وإنما هي سبعة أيام فنزلت وهذا سند حسن وأخرج الطبري أيضا من وجه آخر عن عكرمة قال اجتمعت يهود تخاصم النبي صلى الله عليه وسلّم فقالوا لن تصيبنا النار فذكر نحوه وزاد فقال النبي صلى الله عليه وسلّم كذبتم بل أنتم خالدون مخلدون لا نخلفكم فيها أبدا إن شاء الله تعالى فنزل القرآن تصديقا للنبي صلى الله عليه وسلّم ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم حدثني أبي زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال ليهود أنشدكم الله من أهل النار الذين ذكرهم الله في التوراة قالوا إن الله غضب علينا غضبة فنمكث في النار أربعين يوما ثم نخرج فتخلفوننا فيها فقال كذبتم والله لا نخلفكم فيها أبدا فنزل القرآن تصديقا له وهذان خبران مرسلان يقوي أحدهما الآخر ويستفاد منهما تعيين مقدار الأيام المعدودة المذكورة في الآية وكذا في حديث أبي هريرة حيث قال فيه أياما يسيرة وأخرج الطبري أيضا من رواية قتادة وغيره أن حكمة العدد المذكور وهو الأربعون أنها المدة التي عبدوا فيها العجل قوله اخسئوا فيها هو زجر لهم بالطرد والابعاد أو دعاء عليهم بذلك قوله والله لا نخلفكم فيها أبدا أي لا تخرجون منها ولا نقيم بعدكم فيها لأن من يدخل النار من عصاة المسلمين يخرج منها فلا يتصور أنه يخلف غيره أصلا قوله أردنا إن كنت كاذبا في رواية المستملي والسرخسي إن كنت كذابا قوله وإن كنت نبيا لم يضرك يعني على الوجه المعهود من السم المذكور وفي حديث أنس المشار إليه فقالت أردت لأقتلك فقال ما كان الله ليسلطك على ذلك وفي رواية سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في نحو هذه القصة فقالت أردت أن أعلم إن كنت نبيا فسيطلعك الله عليه وإن كنت كاذبا فأريح الناس منك أخرجه البيهقي وأخرج نحوه موصولا عن جابر وأخرجه بن سعد بسند صحيح عن بن عباس ووقع عند بن سعد عن الواقدي بأسانيده المتعددة أنها قالت قتلت أبي وزوجي وعمي وأخي ونلت من قومي ما نلت فقلت إن كان نبيا فسيخبره الذراع وإن كان ملكا استرحنا منه وفي الحديث إخباره صلى الله عليه وسلّم عن الغيب وتكليم الجماد له ومعاندة اليهود لاعترافهم بصدقه فيما أخبر به عن اسم أبيهم وبما وقع منهم من دسيسة