احتاج الماشي أن يتوقى لإحدى رجليه ما لا يتوقى للأخرى فيخرج بذلك عن سجية مشيه ولا يأمن مع ذلك من العثار وقيل لأنه لم يعدل بين جوارحه وربما نسب فاعل ذلك إلى اختلال الرأي أو ضعفه وقال بن العربي قيل العلة فيها أنها مشية للشيطان وقيل لأنها خارجة عن الاعتدال وقال البيهقي الكراهة فيه للشهرة فتمتد الأبصار لمن ترى ذلك منه وقد ورد النهي عن الشهرة في اللباس فكل شيء صير صاحبه شهرة فحقه أن يجتنب وأما ما أخرج مسلم من طريق أبي رزين عن أبي هريرة بلفظ إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمش في نعل واحدة حتى يصلحها وله من حديث جابر حتى يصلح نعله وله ولأحمد من طريق همام عن أبي هريرة إذا انقطع شسع أحدكم أو شراكه فلا يمش في إحداهما بنعل والأخرى حافية ليحفهما جميعا أو لينعلهما جميعا فهذا لا مفهوم له حتى يدل على الإذن في غير هذه الصورة وإنما هو تصوير خرج مخرج الغالب ويمكن أن يكون من مفهوم الموافقة وهو التنبيه بالأدنى على الأعلى لأنه إذا منع مع الاحتياج فمع عدم الاحتياج أولى وفي هذا التقرير استدراك على من أجاز ذلك حين الضرورة وليس كذلك وإنما المراد أن هذه الصورة قد يظن أنها أخف لكونها للضرورة المذكورة لكن لعلة موجودة فيها أيضا وهو دال على ضعف ما أخرجه الترمذي عن عائشة قالت ربما انقطع شسع نعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم فمشى في النعل الواحدة حتى يصلحها وقد رجح البخاري وغير واحد وقفه على عائشة وأخرج الترمذي بسند صحيح عن عائشة أنها كانت تقول لأخيفن أبا هريرة فيمشي في نعل واحدة وكذا أخرجه بن أبي شيبة موقوفا وكأنها لم يبلغها النهي وقولها لأخيفن معناه لأفعلن فعلا يخالفه وقد اختلف في ضبطه فروى لأخالفن وهو أوضح في المراد وروى لاحنثن من الحنث بالمهملة والنون والمثلثة واستبعد لكن يمكن أن يكون بلغها أن أبا هريرة حلف على كراهية ذلك فأرادت المبالغة في مخالفته وروى لأخيفن بكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم فاء وهو تصحيف وقد وجهت بأن مرادها أنه إذا بلغه أنها خالفته أمسك عن ذلك خوفا منها وهذا في غاية البعد وقد كان أبو هريرة يعلم أن من الناس من ينكر عليه هذا الحكم ففي رواية مسلم المذكورة من طريق أبي رزين خرج إلينا أبو هريرة فضرب بيده على جبهته فقال أما إنكم تحدثون أني أكذب لتهتدوا وأضل أشهد لسمعت فذكر الحديث وقد وافق أبا هريرة جابر على رفع الحديث فأخرج مسلم من طريق بن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال لا يمش في نعل واحدة الحديث ومن طريق مالك عن أبي الزبير عن جابر نهى النبي صلى الله عليه وسلّم أن يأكل الرجل بشماله أو يمشي في نعل واحدة ومن طريق أبي خيثمة عن أبي الزبير عن جابر رفعه إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمش في نعل واحدة حتى يصلح شسعه ولا يمشي في خف واحد قال بن عبد البر لم يأخذ أهل العلم برأي عائشة في ذلك وقد ورد عن علي وبن عمر أيضا أنهما فعلا ذلك وهو إما أن يكون بلغهما النهي فحملاه على التنزيه أو كان زمن فعلهما يسيرا بحيث يؤمن معه المحذور أو لم يبلغهما النهي أشار إلى ذلك بن عبد البر والشسع بكسر المعجمة وسكون المهملة بعدها عين مهملة السير الذي يجعل فيه إصبع الرجل من النعل والشراك بكسر المعجمة وتخفيف الراء وآخره كاف أحد سيور النعل التي تكون في وجهها وكلاهما يختل المشي بفقده وقال عياض روى عن بعض السلف في المشي في نعل واحدة أو خف واحد أثر لم يصح أوله تأويل في المشي اليسير بقدر ما يصلح الأخرى والتقييد بقوله لا يمش قد يتمسك به من أجاز الوقوف بنعل واحدة إذا عرض للنعل ما يحتاج إلى اصلاحها وقد اختلف في ذلك فنقل عياض