واحد من هؤلاء يشترك مع الآخر في شدة العذاب وقال أبو الوليد بن رشد في مختصر مشكل الطحاوي ما حاصله إن الوعيد بهذه الصيغة إن ورد في حق كافر فلا إشكال فيه لأنه يكون مشتركا في ذلك مع آل فرعون ويكون فيه دلالة على عظم كفر المذكور وإن ورد في حق عاص فيكون أشد عذابا من غيره من العصاة ويكون ذلك دالا على عظم المعصية المذكورة وأجاب القرطبي في المفهم بأن الناس الذين أضيف إليهم أشد لا يراد بهم كل الناس بل بعضهم وهم من يشارك في المعنى المتوعد عليه بالعذاب ففرعون أشد الناس الذين ادعوا الإلهية عذابا ومن يقتدي به في ضلالة كفره أشد عذابا ممن يقتدي به في ضلالة فسقه ومن صور صورة ذات روح للعبادة أشد عذابا ممن يصورها لا للعبادة واستشكل ظاهر الحديث أيضا بإبليس وبابن آدم الذي سن القتل وأجيب بأنه في إبليس واضح ويجاب بأن المراد بالناس من ينسب إلى آدم وأما في بن آدم فأجيب بأن الثابت في حقه أن عليه مثل أوزار من يقتل ظلما ولا يمتنع أن يشاركه في مثل تعذيبه من ابتدأ الزنا مثلا فإن عليه مثل أوزار من يزني بعده لأنه أول من سن ذلك ولعل عدد الزناة أكثر من القاتلين قال النووي قال العلماء تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد وسواء صنعه لما يمتهن أم لغيره فصنعه حرام بكل حال وسواء كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها فإما تصوير ما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام قلت ويؤيد التعميم فيما له ظل وفيما لا ظل له ما أخرجه أحمد من حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال أيكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع بها وثنا إلا كسره ولا صورة إلا لطخها أي طمسها الحديث وفيه من عاد إلى صنعة شيء من هذا فقد كفر بما أنزل على محمد وقال الخطابي إنما عظمت عقوبة المصور لأن الصور كانت تعبد من دون الله ولأن النظر إليها يفتن وبعض النفوس إليها تميل قال والمراد بالصور هنا التماثيل التي لها روح وقيل يفرق بين العذاب والعقاب فالعذاب يطلق على ما يؤلم من قول أو فعل كالعتب والإنكار والعقاب يختص بالفعل فلا يلزم من كون المصور أشد الناس عذابا أن يكون أشد الناس عقوبة هكذا ذكره الشريف المرتضى في الغرر وتعقب بالآية المشار إليها وعليها انبنى الاشكال ولم يكن هو عرج عليها فلهذا ارتضى التفرقة والله أعلم واستدل به أبو علي الفارسي في التذكرة على تكفير المشبهة فحمل الحديث عليهم وأنهم المراد بقوله المصورون أي الذين يعتقدون أن لله صورة وتعقب بالحديث الذي بعده في الباب بلفظ أن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون وبحديث عائشة الآتي بعد بابين بلفظ إن أصحاب هذه الصور يعذبون وغير ذلك ولو سلم له استدلاله لم يرد عليه الاشكال المقدم ذكره وخص بعضهم الوعيد الشديد بمن صور قاصدا أن يضاهي فإنه يصير بذلك القصد كافرا وسيأتي في باب ما وطيء من التصاوير بلفظ أشد الناس عذابا الذين يضاهون بخلق الله تعالى وأما من عداه فيحرم عليه ويأثم لكن إثمه دون إثم المضاهي قلت وأشد منه من يصور ما يعبد من دون الله كما تقدم وذكر القرطبي أن أهل الجاهلية كانوا يعملون الأصنام من كل شيء حتى أن بعضهم عمل صنمه من عجوة ثم جاع فأكله الحديث الثاني .
5607 - قوله عن عبيد الله هو بن عمر العمري قوله ان الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم هو أمر تعجيز ويستفاد منه صفة تعذيب المصور وهو أن يكلف نفخ الروح في الصورة التي صورها وهو لا يقدر على ذلك فيستمر تعذيبه كما سيأتي تقريره في باب من صور صورة بعد أبواب