الجوف من الكبد والرئة قلت ويقوى الاحتمال الأول رواية عوف بن مالك لأن يمتلئ جوف أحدكم من عانته إلى لهاته وتظهر مناسبته للثاني لأن مقابله وهو الشعر محله القلب لأنه ينشأ عن الفكر وأشار بن أبي جمرة إلى عدم الفرق في امتلاء الجوف من الشعر بين من ينشئه أو يتعانى حفظه من شعر غيره وهو ظاهر وقوله قيحا بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها مهملة المدة لا يخالطها دم وقوله شعرا ظاهره العموم في كل شعر لكنه مخصوص بما لم يكن مدحا حقا كمدح الله ورسوله وما اشتمل على الذكر والزهد وسائر المواعظ مما لا إفراط فيه ويؤيده حديث عمرو بن الشريد عن أبيه عند مسلم كما أشرت إليه قريبا قال بن بطال ذكر بعضهم أن معنى قوله خير له من أن يمتلئ شعرا يعني الشعر الذي هجى به النبي صلى الله عليه وسلّم وقال أبو عبيد والذي عندي في هذا الحديث غير هذا القول لأن الذي هجى به النبي صلى الله عليه وسلّم لو كان شطر بيت لكان كفرا فكأنه إذا حمل وجه الحديث على امتلاء القلب منه أنه قد رخص في القليل منه ولكن وجهه عندي أن يمتلئ قلبه من الشعر حتى يغلب عليه فيشغله عن القرآن وعن ذكر الله فيكون الغالب عليه فإما إذا كان القرآن والعلم الغالبين عليه فليس جوفه ممتلئا من الشعر قلت وأخرج أبو عبيد التأويل المذكور من رواية مجالد عن الشعبي مرسلا فذكر الحديث وقال في آخره يعني من الشعر الذي هجى به النبي صلى الله عليه وسلّم وقد وقع لنا ذلك موصولا من وجهين آخرين فعند أبي يعلى من حديث جابر في الحديث المذكور قيحا أو دما خير له من أن يمتلئ شعرا هجيت به وفي سنده راو لا يعرف وأخرجه الطحاوي وبن عدي من رواية بن الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرة مثل حديث الباب قال فقالت عائشة لم يحفظ إنما قال من أن يمتلئ شعرا هجيت به وبن الكلبي واهي الحديث وأبو صالح شيخه ما هو الذي يقال له السمان المتفق على تخريج حديثه في الصحيح عن أبي هريرة بل هذا آخر ضعيف يقال له باذان فلم تثبت هذه الزيادة ويؤيد تأويل أبي عبيد ما أخرجه البغوي في معجم الصحابة والحسن بن سفيان في مسنده والطبراني في الأوسط من حديث مالك بن عمير السلمي أنه شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم الفتح وغيرها وكان شاعرا فقال يا رسول الله أفتني في الشعر فذكر الحديث وزاد قلت يا رسول الله امسح على رأسي قال فوضع يده على رأسي فما قلت بيت شعر بعد وفي رواية الحسن بن سفيان بعد قوله على رأسي ثم أمرها على كبدي وبطني وزاد البغوي في روايته فإن رابك منه شيء فاشبب بامرأتك وامدح راحلتك فلو كان المراد الامتلاء من الشعر لما إذن له في شيء منه بل دلت الزيادة الأخيرة على الإذن في المباح منه وذكر السهيلي في غزوة ودان عن جامع بن وهب أنه روى فيه أن عائشة Bها تأولت هذا الحديث على ما هجي به النبي صلى الله عليه وسلّم وأنكرت على من حمله على العموم في جميع الشعر قال السهيلي فإن قلنا بذلك فليس في الحديث الا عيب امتلاء الجوف منه فلا يدخل في النهي رواية اليسير على سبيل الحكاية ولا الاستشهاد به في اللغة ثم ذكر استشكال أبي عبيد وقال عائشة أعلم منه فإن الذي يروي ذلك على سبيل الحكاية لا يكفر ولا فرق بينه وبين الكلام الذي ذموا به النبي صلى الله عليه وسلّم وهذا هو الجواب عن صنيع بن إسحاق في إيراده بعض أشعار الكفرة في هجو المسلمين والله أعلم واستدل بتأويل أبي عبيد على أن مفهوم الصفة ثابت باللغة لأنه فهم منه أن غير الكثير من الشعر ليس كالكثير فخص الذم بالكثير الذي دل عليه الامتلاء دون القليل منه فلا يدخل في الذم وأما من قال أن أبا عبيد بنى هذا التأويل على اجتهاده فلا يكون ناقلا للغة فجوابه أنه إنما فسر حديث النبي صلى الله عليه وسلّم في كتابه على ما تلقفه من لسان