ليس من فن الكتاب وكل من القدرين ظاهر لأن البخاري لم يضع كتابه لحدود الحقائق وتصورها بل هو جار على اساليب العرب القديمة فأنهم يبدؤون بفضيلة المطلوب للتشويق إليه إذا كانت حقيقته مكشوفة معلومة وقد أنكر بن العربي في شرح الترمذي على من تصدى لتعريف العلم وقال هو أبين من أن يبين قلت وهذه طريقة الغزالي وشيخه الإمام أن العلم لا يحد لوضوحه أو لعسره قوله وقول الله D ضبطناه في الأصول بالرفع عطفا على كتاب أو على الاستئناف قوله يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات قيل في تفسيرها يرفع الله المؤمن العالم على المؤمن غير العالم ورفعة الدرجات تدل على الفضل إذ المراد به كثرة الثواب وبها ترتفع الدرجات ورفعتها تشمل المعنوية في الدنيا بعلو المنزلة وحسن الصيت والحسية في الآخرة بعلو المنزلة في الجنة وفي صحيح مسلم عن نافع بن عبد الحارث الخزاعي وكان عامل عمر على مكة أنه لقيه بعسفان فقال له من استخلفت فقال استخلفت بن أبزى مولى لنا فقال عمر استخلفت مولى قال إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض فقال عمر أما إن نبيكم قد قال إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى نرفع درجات من نشاء قال بالعلم قوله وقوله D رب زدني علما واضح الدلالة في فضل العلم لأن الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلّم بطلب الازدياد من شيء الا من العلم والمراد بالعلم العلم الشرعى الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلف من أمر دينه في عباداته ومعاملاته والعلم بالله وصفاته وما يجب له من القيام بأمره وتنزيهه عن النقائص ومدار ذلك على التفسير والحديث والفقه وقد ضرب هذا الجامع الصحيح في كل من الأنواع الثلاثة بنصيب فB مصنفه وأعاننا على ما تصدينا له من توضيحه بمنه وكرمه فإن قيل لم لم يورد المصنف في هذا الباب شيئا من الحديث فالجواب أنه إما أن يكون اكتفى بالايتين الكريمتين وإما بيض له ليلحق فيه ما يناسبه فلم يتيسر وإما أورد فيه حديث بن عمر الآتي بعد باب رفع العلم ويكون وضعه هناك من تصرف بعض الرواة وفيه نظر على ما سنبينه هناك إن شاء الله تعالى ونقل الكرماني عن بعض أهل الشام أن البخاري بوب الأبواب وترجم التراجم وكتب الأحاديث وربما بيض لبعضها ليلحقه وعن بعض أهل العراق أنه تعمد بعد الترجمة عدم إيراد الحديث إشارة إلى أنه لم يثبت فيه شيء عنده على شرطه قلت والذي يظهر لي أن هذا محله حيث لايورد فيه آية أو أثرا أما إذا أورد آية أو أثرا فهو إشارة منه إلى ما ورد في تفسير تلك الآية وأنه لم يثبت فيه شيء على شرطه وما دلت عليه الآية كاف في الباب وإلى أن الأثر الوارد في ذلك يقوي به طريق المرفوع وأن لم يصل في القوة إلى شرطه والأحاديث في فضل العلم كثيرة صحح مسلم منها حديث أبي هريرة رفعه من التمس طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة ولم يخرجه البخاري لأنه اختلف فيه على الأعمش والراجح أنه بينه وبين أبي صالح فيه واسطة والله أعلم