راجعت سنن أبي داود فوجدت في آخر الحديث ما يؤيد ما قلته وهو قصة الأعرابي الذي جبذ رداءه صلى الله عليه وسلّم فدعا رجلا فأمره أن يحمل له على بعيره تمرا وشعيرا وفي آخره ثم التفت إلينا فقال انصرفوا رحمكم الله تعالى ثم احتج النووي بعمومات تنزيل الناس منازلهم واكرام ذي الشيبة وتوقير الكبير واعترضه بن الحاج بما حاصله أن القيام على سبيل الاكرام داخل في العمومات المذكورة لكن محل النزاع قد ثبت النهي عنه فيخص من العمومات واستدل النووي أيضا بقيام المغيرة بن شعبة على رأس النبي صلى الله عليه وسلّم بالسيف واعترضه بن الحاج بأنه كان بسبب الذب عنه في تلك الحالة من أذى من يقرب منه من المشركين فليس هو من محل النزاع ثم ذكر النووي حديث معاوية وحديث أبي أمامة المتقدمين وقدم قبل ذلك ما أخرجه الترمذي عن أنس قال لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك قال الترمذي حسن صحيح غريب وترجم له باب كراهية قيام الرجل للرجل وترجم لحديث معاوية باب كراهية القيام للناس قال النووي وحديث أنس أقرب ما يحتج به والجواب عنه من وجهين أحدهما أنه خاف عليهم الفتنة إذا أفرطوا في تعظيمه فكره قيامهم له لهذا المعنى كما قال لا تطروني ولم يكره قيام بعضهم لبعض فإنه قد قام لبعضهم وقاموا لغيره بحضرته فلم ينكر عليهم بل أقره وأمر به ثانيهما أنه كان بينه وبين أصحابه من الانس وكمال الود والصفاء ما لا يحتمل زيادة بالإكرام بالقيام فلم يكن في القيام مقصود وان فرض للإنسان صاحب بهذه الحالة لم يحتج إلى القيام واعترض بن الحاج بأنه لا يتم الجواب الأول إلا لو سلم أن الصحابة لم يكونوا يقومون لأحد أصلا فإذا خصوه بالقيام له دخل في الاطراء لكنه قرر أنهم يفعلون ذلك لغيره فكيف يسوغ لهم أن يفعلوا مع غيره ما لا يؤمن معه الاطراء ويتركوه في حقه فان كان فعلهم ذلك للاكرام فهو أولى بالإكرام لان المنصوص على الأمر بتوقيره فوق غيره فالظاهر أن قيامهم لغيره انما كان لضرورة قدوم أو تهنئة أو نحو ذلك من الأسباب المتقدمة لا على صورة محل النزاع وأن كراهته لذلك انما هي في صورة محل النزاع أو للمعنى المذموم في حديث معاوية قال والجواب عن الثاني أنه لو عكس فقال ان كان الصاحب لم تتأكد صحبته له ولا عرف قدره فهو معذور بترك القيام بخلاف من تأكدت صحبته له وعظمت منزلته منه وعرف مقداره لكان متجها فإنه يتأكد في حقه مزيد البر والاكرام والتوقير أكثر من غيره قال ويلزم على قوله ان من كان أحق به وأقرب منه منزلة كان أقل توقيرا له ممن بعد لاجل الانس وكمال الود والواقع في صحيح الاخبار خلاف ذلك كما وقع في قصة السهو وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه وقد كلمه ذو اليدين مع بعد منزلته منه بالنسبة إلى أبي بكر وعمر قال ويلزم على هذا أن خواص العالم والكبير والرئيس لا يعظمونه ولا يوقرونه لا بالقيام ولا بغيره بخلاف من بعد منه وهذا خلاف ما عليه عمل السلف والخلف انتهى كلامه وقال النووي في الجواب عن حديث معاوية ان الأصح والأولى بل الذي لا حاجة إلى ما سواه أن معناه زجر المكلف أن يحب قيام الناس له قال وليس فيه تعرض للقيام بمنهى ولا غيره وهذا متفق عليه قال والمنهي عنه محبة القيام فلو لم يخطر بباله فقاموا له أو لم يقوموا فلا لوم عليه فإن أحب ارتكب التحريم سواء قاموا أو لم يقوموا قال فلا يصح الاحتجاج به لترك القيام فإن قيل فالقيام سبب للوقوع في المنهي عنه قلنا هذا فاسد لأنا قدمنا أن الوقوع في المنهي عنه يتعلق بالمحبة خاصة انتهى ملخصا ولا يخفى ما فيه واعترضه بن الحاج بان الصحابي الذي تلقى ذلك