تقييد المدعو عليه بأن يكون ليس لذلك بأهل ولفظه انما أنا بشر ارضى كما يرضى البشر واغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل ان يجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة وفيه قصة لام سليم .
6000 - قوله اللهم فأيما مؤمن الفاء جواب الشرط المحذوف لدلالة السياق عليه قال المازري ان قيل كيف يدعو صلى الله عليه وسلّم بدعوة على من ليس لها بأهل قيل ا لمراد بقوله ليس لها بأهل عندك في باطن امره لا على ما يظهر مما يقتضيه حاله وجنايته حين دعائي عليه فكأنه يقول من كان باطن امره عندك انه ممن ترضى عنه فاجعل دعوتي عليه التي اقتضاها ما ظهر لي من مقتضى حاله حينئذ طهورا وزكاة قال وهذا معنى صحيح لا احالة فيه لأنه صلى الله عليه وسلّم كان متعبدا بالظواهر وحساب الناس في البواطن على الله انتهى وهذا مبني على قول من قال انه كان يجتهد في الاحكام ويحكم بما أدى إليه اجتهاده واما من قال كان لا يحكم الا بالوحي فلا يتأتى منه هذا الجواب ثم قال المازري فان قيل فما معنى قوله واغضب كما يغضب البشر فإن هذا يشير إلى ان تلك الدعوة وقعت بحكم سورة الغضب لا انها على مقتضى الشرع فيعود السؤال فالجواب انه يحتمل انه أراد ان دعوته عليه أو سبه أو جلده كان مما خير بين فعله له عقوبة للجاني أو تركه والزجر له بما سوى ذلك فيكون الغضب لله تعالى بعثه على لعنه أو جلده ولا يكون ذلك خارجا عن شرعه قال ويحتمل ان يكون ذلك خرج مخرج الاشفاق وتعليم أمته الخوف من تعدي حدود الله فكأنه أظهر الإشفاق من ان يكون الغضب يحمله على زيادة في عقوبة الجاني لولا الغضب ما وقعت أو اشفاقا من ان يكون الغضب يحمله على زيادة يسيرة في عقوبة الجاني لولا الغضب ما زادت ويكون من الصغائر على قول من يجوزها أو يكون الزجر يحصل بدونها ويحتمل ان يكون اللعن والسب يقع منه من غير قصد إليه فلا يكون في ذلك كاللعنة الواقعة رغبة إلى الله وطلبا للاستجابة وأشار عياض إلى ترجيح هذا الاحتمال الأخير فقال يحتمل ان يكون ما ذكره من سب ودعاء غير مقصود ولا منوي لكن جرى على عادة العرب في دعم كلامها وصلة خطابها عند الحرج والتأكيد للعتب لا على نية وقوع ذلك كقولهم عقرى حلقي وتربت يمينك فأشفق من موافقة امثالها القدر فعاهد ربه ورغب إليه ان يجعل ذلك القول رحمة وقربة انتهى وهذا الاحتمال حسن الا انه يرد عليه قوله جلدته فإن هذا الجواب لا يتمشى فيه إذ لا يقع الجلد عن غير قصد وقد ساق الجميع مساقا واحدا الا ان حمل على الجلدة الواحدة فيتجه ثم ابدى القاضي احتمالا آخر فقال كان لا يقول ولا يفعل صلى الله عليه وسلّم في حال غضبه الا الحق لكن غضبه لله قد يحمله على تعجيل معاقبة مخالفة وترك الاغضاء والصفح ويؤيده حديث عائشة ما انتقم لنفسه قط الا ان تنتهك حرمات الله وهو في الصحيح قلت فعلى هذا فمعنى قوله ليس لها بأهل أي من جهة تعين التعجيل وفي الحديث كمال شفقته صلى الله عليه وسلّم على أمته وجميل خلقه وكرم ذاته حيث قصد مقابلة ما وقع منه بالجبر والتكريم وهذا كله في حق معين في زمنه واضح واما ما وقع منه بطريق التعميم لغير معين حتى يتناول من لم يدرك زمنه صلى الله عليه وسلّم فما أظنه يشمله والله اعلم