للحديث أن خيرية المال ليست لذاته بل بحسب ما يتعلق به وان كان يسمى خيرا في الجملة وكذلك صاحب المال الكثير ليس غنيا لذاته بل بحسب تصرفه فيه فإن كان في نفسه غنيا لم يتوقف في صرفه في الواجبات والمستحبات من وجوه البر والقربات وان كان في نفسه فقيرا أمسكه وامتنع من بذله فيما أمر به خشية من نفاده فهو في الحقيقة فقير صورة ومعنى وان كان المال تحت يده لكونه لا ينتفع به لا في الدنيا ولا في الأخرى بل ربما كان وبالا عليه .
6081 - قوله حدثنا أبو بكر هو بن عياش بمهملة وتحتانية ثم معجمة وهو القاريء المشهور وأبو حصين بفتح أوله اسمه عثمان والإسناد كله كوفيون إلى أبي هريرة قوله عن كثرة العرض بفتح المهملة والراء ثم ضاد معجمة أما عن فهي سببية وأما العرض فهو ما ينتفع به من متاع الدنيا ويطلق بالاشتراك على ما يقابل الجوهر وعلى كل ما يعرض للشخص من مرض ونحوه وقال أبو عبد الملك البوني فيما نقله بن التين عنه قال اتصل بي عن شيخ من شيوخ القيروان أنه قال العرض بتحريك الراء الواحد من العروض التي يتجر فيها قال وهو خطأ فقد قال الله تعالى يأخذون عرض هذا الادنى ولا خلاف بين أهل اللغة في أنه ما يعرض فيه وليس هو أحد العروض التي يتجر فيها بل واحدها عرض بالإسكان وهو ما سوى النقدين وقال أبو عبيد العروض الامتعة وهي ما سوى الحيوان والعقار ومالا يدخله كيل ولا وزن وهكذا حكاه عياض وغيره وقال بن فارس العرض بالسكون كل ما كان من المال غير نقد وجمعه عروض وأما بالفتح فما يصيبه الإنسان من حظه في الدنيا قال تعالى تريدون عرض الدنيا وقال وان يأتهم عرض مثله يأخذوه قوله انما الغنى غنى النفس في رواية الأعرج عن أبي هريرة عند أحمد وسعيد بن منصور وغيرهما انما الغنى في النفس وأصله في مسلم ولابن حبان من حديث أبي ذر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم يا أبا ذر أترى كثرة المال هو الغنى قلت نعم قال وترى قلة المال هو الفقر قلت نعم يا رسول الله قال انما الغنى غنى القلب والفقر فقر القلب قال بن بطال معنى الحديث ليس حقيقة الغنى كثرة المال لأن كثيرا ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتى فهو يجتهد في الازدياد ولا يبالي من أين يأتيه فكأنه فقير لشدة حرصه وانما حقيقة الغنى غنى النفس وهو من استغنى بما أوتي وقنع به ورضي ولم يحرص على الازدياد ولا ألح في الطلب فكأنه غني وقال القرطبي معنى الحديث ان الغنى النافع أو العظيم أو الممدوح هو غني النفس وبيانه أنه إذا استغنت نفسه كفت عن المطامع فعزت وعظمت وحصل لها من الحظوة والنزاهة والشرف والمدح أكثر من الغنى الذي يناله من يكون فقير النفس لحرصه فإنه يورطه في رذائل الأمور وخسائس الأفعال لدناءة همته وبخله ويكثر من يذمه من الناس ويصغر قدره عندهم فيكون أحقر من كل حقير وأذل من كل ذليل والحاصل أن المتصف بغنى النفس يكون قانعا بما رزقه الله لا يحرص على الازدياد لغير حاجة ولا يلح في الطلب ولا يلحف في السؤال بل يرضى بما قسم الله له فكأنه واجد أبدا والمتصف بفقر النفس على الضد منه لكونه لا يقنع بما أعطى بل هو أبدا في طلب الازدياد من أي وجه أمكنه ثم إذا فاته المطلوب حزن وأسف فكأنه فقير من المال لأنه لم يستغن بما أعطى فكأنه ليس بغني ثم غنى النفس انما ينشأ عن الرضا بقضاء الله تعالى والتسليم لأمره علما بأن الذي عند الله خير وأبقى فهو معرض عن الحرض والطلب وما أحسن قول القائل غنى النفس ما يكفيك من سد حاجة فإن زاد شيئا عاد ذاك الغنى فقرا