قوله وأرسل في خلقه كلهم كذا لهم وكذا للإسماعيلي عن الحسن بن سفيان ولأبي نعيم من طريق السراج كلاهما عن قتيبة وذكر الكرماني أن في بعض الروايات في خلقه كله قوله فلو يعلم الكافر كذا ثبت في هذه الطريق بالفاء إشارة إلى ترتيب ما بعدها على ما قبلها ومن ثم قدم ذكر الكافر لان كثرتها وسعتها تقتضي أن يطمع فيها كل أحد ثم ذكر المؤمن استطرادا وروى هذا الحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فقطعه حديثين اخرجهما مسلم من طريقه فذكر حديث الرحمة بلفظ خلق الله مائة رحمة فوضع واحدة بين خلقه وخبأ عنده مائة الا واحدة وذكر الحديث الآخر بلفظ لو يعلم المؤمن الخ والحكمة في التعبير بالمضارع دون الماضي الإشارة إلى أنه لم يقع له علم ذلك ولا يقع لأنه إذ امتنع في المستقبل كان ممتنعا فيما مضى قوله بكل الذي استشكل هذا التركيب لكون كل إذا اضيفت إلى الموصول كانت إذ ذاك لعموم الاجزاء لا لعموم الافراد والغرض من سياق الحديث تعميم الافراد وأجيب بأنه وقع في بعض طرقه أن الرحمة قسمت مائة جزء فالتعميم حينئذ لعموم الاجزاء في الأصل أو نزلت الأجزاء منزلة الأفراد مبالغة قوله لم ييأس من الجنة قيل المراد أن الكافر لو علم سعة الرحمة لغطى على ما يعلمه من عظم العذاب فيحصل له الرجاء أو المراد أن متعلق علمه بسعة الرحمة مع عدم التفاته إلى مقابلها يطمعه في الرحمة ومطابقة الحديث للترجمة أنه اشتمل على الوعد والوعيد المقتضيين للرجاء والخوف فمن علم أن من صفات الله تعالى الرحمة لمن أراد أن يرحمه والانتقام ممن أراد أن ينتقم منه لا يأمن انتقامه من يرجو رحمته ولا ييأس من رحمته من يخاف انتقامه وذلك باعث على مجانبة السيئة ولو كانت صغيرة وملازمة الطاعة ولو كانت قليلة قيل في الجملة الأولى نوع اشكال فان الجنة لم تخلق للكافر ولا طمع له فيها فغير مستبعد أن يطمع في الجنة من لا يعتقد كفر نفسه فيشكل ترتب الجواب على ما قبله وأجيب بأن هذه الكلمة سيقت لترغيب المؤمن في سعة رحمة الله التي لو علمها الكافر الذي كتب عليه انه يختم عليه أنه لا حظ له في الرحمة لتطاول إليها ولم ييأس منها اما بايمانه المشروط واما لقطع نظره عن الشرط مع تيقنه بأنه على الباطل واستمراره عليه عنادا وإذا كان ذلك حال الكافر فكيف لا يطمع فيها المؤمن الذي هداه الله للايمان وقد ورد أن إبليس يتطاول للشفاعة لما يرى يوم القيامة من سعة الرحمة أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث جابر ومن حديث حذيفة وسند كل منهما ضعيف وقد تكلم الكرماني هنا على لو بما حاصله انها هنا لانتفاء الثاني وهو الرجاء لانتفاء الأول وهو العلم فأشبهت لو جئتني أكرمتك وليست لانتفاء الأول لانتفاء الثاني كما بحثه بن الحاجب في قوله تعالى لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا والعلم عند الله قال والمقصود من الحديث أن المكلف ينبغي له أن يكون بين الخوف والرجاء حتى لا يكون مفرطا في الرجاء بحيث يصير من المرجئة القائلين لا يضر مع الإيمان شيء ولا في الخوف بحيث لا يكون من الخوارج والمعتزلة القائلين بتخليد صاحب الكبيرة إذا مات عن غير توبة في النار بل يكون وسطا بينهما كما قال الله تعالى يرجون رحمته ويخافون عذابه ومن تتبع دين الإسلام وجد قواعده أصولا وفروعا كلها في جانب الوسط والله اعلم