وقد وهم الحاكم في المستدرك فان البخاري أخرجه كما ترى لكن اختصر القصه لكونها موقوفه وهذا الفرع غريب وهو ان ينذر عن غيره فيلزم الغير الوفاء بذلك ثم إذا تعذر لزم الناذر وقد كنت استشكل ذلك ثم ظهر لي ان الابن أقر بذلك والتزم به ثم لما مات امره بن عمر وسعيد ان يفعل ذلك عن ابنه كما يفعل سائر القرب عنه كالصوم والحج والصدقة ويحتمل ان يكون مختصا عندهما بما يقع من الوالد في حق ولده فيعقد لوجوب بر الوالدين على الولد بخلاف الأجنبي وفي قول بن عمر في هذه الرواية أولم تنهوا عن النذر نظر لان المرفوع الذي ذكره ليس فيه تصريح بالنهي لكن جاء عن بن عمر التصريح ففي الرواية التي بعدها من طريق عبد الله بن مرة وهو الهمداني بسكون الميم عن بن عمر قال نهى النبي صلى الله عليه وسلّم عن النذر وفي لفظ لمسلم من هذا الوجه اخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم ينهى عن النذر وجاء بصيغة النهي الصريحة في رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عند مسلم بلفظ لا تنذروا قوله لا يقدم شيئا ولا يؤخر في رواية عبد الله بن مرة لا يرد شيئا وهي أعم ونحوها في حديث أبي هريرة لا يأتي بن آدم النذر بشيء لم يكن قدر له وفي رواية العلاء المشار إليها فان النذر لا يغني من القدر شيئا وفي لفظ عنه لا يرد القدر وفي حديث أبي هريرة عنده لا يقرب من بن آدم شيئا لم يكن الله قدره له ومعاني هذه الألفاظ المختلفة متقاربه وفيها اشاره إلى تعليل النهي عن النذر وقد اختلف العلماء في هذا النهي فمنهم من حمله على ظاهره ومنهم من تأوله قال بن الأثير في النهاية تكرر النهي عن النذر في الحديث وهو تاكيد لامره وتحذير عن التهاون به بعد ايجابه ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل لكان في ذلك ابطال حكمه واسقاط لزوم الوفاء به إذ كان بالنهي يصير معصية فلا يلزم وانما وجه الحديث انه قد أعلمهم ان ذلك أمر لا يجر لهم في العاجل نفعا ولا يصرف عنهم ضرا ولا يغير قضاء فقال لا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئا لم يقدره الله لكم أو تصرفوا به عنكم ما قدره عليكم فإذا نذرتم فاخرجوا بالوفاء فان الذي نذرتموه لازم لكم انتهى كلامه ونسبه بعض شراح المصابيح للخطابي وأصله من كلام أبي عبيد فيما نقله بن المنذر في كتابه الكبير فقال كان أبو عبيد يقول وجه النهي عن النذر والتشديد فيه ليس هو ان يكون مأثما ولو كان كذلك ما أمر الله ان يوفى به ولا حمد فاعله ولكن وجهه عندي تعظيم شأن النذر وتغليظ امره لئلا يتهاون به فيفرط في الوفاء به ويترك القيام به ثم استدل بما ورد من الحث على الوفاء به في الكتاب والسنة والى ذلك أشار المازري بقوله ذهب بعض علمائنا إلى ان الغرض بهذا الحديث التحفظ في النذر والحض على الوفاء به قال وهذا عندي بعيد من ظاهر الحديث ويحتمل عندي ان يكون وجه الحديث ان الناذر يأتي بالقربة مستثقلا لها لما صارت عليه ضربة لازب وكل ملزوم فإنه لا ينشط للفعل نشاط مطلق الاختيار ويحتمل ان يكون سببه ان الناذر لما لم ينذر القربة الا بشرط ان يفعل له ما يريد صار كالمعاوضة التي تقدح في نية المتقرب قال ويشير إلى هذا التأويل قوله انه لا يأتي بخير وقوله انه لا يقرب من بن آدم شيئا لم يكن الله قدره له وهذا كالنص على هذا التعليل اه والاحتمال الأول يعم أنواع النذر والثاني يخص نوع المجازات وزاد القاضي عياض ويقال ان الاخبار بذلك وقع على سبيل الاعلام من انه لا يغالب القدر ولا يأتي الخير بسببه والنهي عن اعتقاد خلاف ذلك خشية ان يقع ذلك في ظن بعض الجهلة قال ومحصل مذهب مالك انه مباح الا إذا كان مؤيدا لتكرره عليه في أوقات فقد يثقل عليه فعله فيفعله بالتكلف من غير طيب نفس