مطابقة للترجمة المشار إليها قال الكرماني فان قيل القدر هو الذي يلقيه إلى النذر قلنا تقدير النذر غير تقدير الالقاء فالأول يلجئه إلى النذر والنذر يلجئه إلى الإعطاء قوله فيستخرج الله فيه التفات ونسق الكلام ان يقال فأستخرج ليوافق قوله اولا قدرته وثانيا فيؤتيني قوله فيؤتيني عليه ما لم يكن يؤتيني عليه من قبل كذا للأكثر أي يعطيني ووقع في رواية الكشميهني يؤتني بالجزم ووجهت بأنها بدل من قوله يكن فجزمت بلم ووقع في رواية مالك يؤتى في الموضعين وفي رواية بن ماجة فييسر عليه ما لم يكن ييسر عليه من قبل ذلك وفي رواية مسلم فيخرج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد ان يخرج وهذه أوضح الروايات قال البيضاوي عادة الناس تعليق النذر على تحصيل منفعة أو دفع مضرة فنهي عنه لأنه فعل البخلاء إذ السخى إذا أراد ان يتقرب بادر إليه والبخيل لا تطاوعه نفسه بإخراج شيء من يده الا في مقابلة عوض يستوفيه اولا فيلتزمه في مقابلة ما يحصل له وذلك لا يغنى من القدر شيئا فلا يسوق إليه خيرا لم يقدر له ولا يرد عنه شرا قضى عليه لكن النذر قد يوافق القدر فيخرج من البخيل ما لولاه لم يكن ليخرجه قال بن العربي فيه حجة على وجوب الوفاء بما التزمه الناذر لأن الحديث نص على ذلك بقوله يستخرج به فإنه لو لم يلزمه إخراجه لما تم المراد من وصفه بالبخل من صدور النذر عنه إذ لو كان مخيرا في الوفاء لاستمر لبخله على عدم الإخراج وفي الحديث الرد على القدرية كما تقدم تقريره في الباب المشار إليه وأما ما أخرجه الترمذي من حديث أنس ان الصدقة تدفع ميتة السوء فظاهره يعارض قوله ان النذر لا يرد القدر ويجمع بينهما بأن الصدقة تكون سببا لدفع ميتة السوء والاسباب مقدرة كالمسببات وقد قال صلى الله عليه وسلّم لمن سأله عن الرقى هل ترد من قدر الله شيئا قال هي من قدر الله أخرجه أبو داود والحاكم ونحوه قول عمر نفر من قدر الله إلى قدر الله كما تقدم تقريره في كتاب الطب ومثل ذلك مشروعية الطب والتداوي وقال بن العربي النذر شبيه بالدعاء فإنه لا يرد القدر ولكنه من القدر أيضا ومع ذلك فقد نهى عن النذر وندب إلى الدعاء والسبب فيه ان الدعاء عبادة عاجلة ويظهر به التوجه إلى الله والتضرع له والخضوع وهذا بخلاف النذر فان فيه تأخير العبادة إلى حين الحصول وترك العمل إلى حين الضرورة والله اعلم وفي الحديث ان كل شيء يبتدؤه المكلف من وجوه البر أفضل مما يلتزمه بالنذر قاله الماوردي وفيه الحث على الإخلاص في عمل الخير وذم البخل وان من اتبع المأمورات واجتنب المنهيات لا يعد بخيلا تنبيه قال بن المنير مناسبة أحاديث الباب لترجمة الوفاء بالنذر قوله يستخرج به من البخيل وانما يخرج البخيل ما تعين عليه إذ لو اخرج ما يتبرع به لكان جوادا وقال الكرماني يؤخذ معنى الترجمة من لفظ يستخرج قلت ويحتمل ان يكون البخاري أشار إلى تخصيص النذر المنهي عنه بنذر المعاوضة واللجاج بدليل الآية فإن الثناء الذي تضمنته محمول على نذر القربة كما تقدم أول الباب فيجمع بين الآية والحديث بتخصيص كل منهما بصورة من صور النذر والله اعلم