تكريره ذلك والاعراض عن قبول العذر زجر شديد عن الاقدام على مثل ذلك قوله انما كان متعوذا في رواية الأعمش قالها خوفا من السلاح وفي رواية بن أبي عاصم من وجه آخر عن أسامة انما فعل ذلك ليحرز دمه قوله قال قلت يا رسول الله والله انما كان متعوذا كذا أعاد الاعتذار وأعيد عليه الإنكار وفي رواية الأعمش أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا قال النووي الفاعل في قوله أقالها هو القلب ومعناه انك إنما كلفت بالعمل بالظاهر وما ينطق به اللسان وأما القلب فليس لك طريق إلى ما فيه فأنكر عليه ترك العمل بما ظهر من اللسان فقال أفلا شققت عن قلبه لتنظر هل كانت فيه حين قالها وأعتقدها أو لا والمعنى انك إذا كنت لست قادرا على ذلك فأكتف منه باللسان وقال القرطبي فيه حجة لمن أثبت الكلام النفسي وفيه دليل على ترتب الاحكام على الأسباب الظاهرة دون الباطنة قوله حتى تمنيت اني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم أي أن إسلامي كان ذلك اليوم لأن الإسلام يجب ما قبله فتمنى أن يكون ذلك الوقت أول دخوله في الإسلام ليأمن من جريرة تلك الفعلة ولم يرد أنه تمنى أن لا يكون مسلما قبل ذلك قال القرطبي وفيه اشعار بأنه كان استصغر ما سبق له قبل ذلك من عمل صالح في مقابلة هذه الفعلة لما سمع من الإنكار الشديد وإنما أورد ذلك على سبيل المبالغة ويبين ذلك أن في بعض طرقه في رواية الأعمش حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ ووقع عند مسلم من حديث جندب بن عبد الله في هذه القصة زيادات ولفظه بعث بعثا من المسلمين إلى قوم من المشركين فالتقوا فأوجع رجل من المشركين فيهم فأبلغ فقصد رجل من المسلمين غيلته كنا نتحدث أنه أسامة بن زيد فلما رفع عليه السيف قال لا اله إلا الله فقتله الحديث وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال له فكيف تصنع بلا اله إلا الله إذا أتتك يوم القيامة قال يا رسول الله استغفر لي قال كيف تصنع بلا اله إلا الله فجعل لا يزيده على ذلك وقال الخطابي لعل أسامة تأول قوله تعالى فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ولذلك عذره النبي صلى الله عليه وسلّم فلم يلزمه دية ولا غيرها قلت كأنه حمل نفي النفع على عمومه دنيا وأخرى وليس ذلك المراد والفرق بين المقامين أنه في مثل تلك الحالة ينفعه نفعا مقيدا بأن يجب الكف عنه حتى يختبر أمره هل قال ذلك خالصا من قلبه أو خشية من القتل وهذا بخلاف ما لو هجم عليه الموت ووصل خروج الروح إلى الغرغرة وانكشف الغطاء فأنه إذا قالها لم تنفعه بالنسبة لحكم الآخرة وهو المراد من الآية وأما كونه لم يلزمه دية ولا كفارة فتوقف فيه الداودي وقال لعله سكت عنه لعلم السامع أو كان ذلك قبل نزول آية الدية والكفارة وقال القرطبي لا يلزم من السكوت عنه عدم الوقوع لكن فيه بعد لأن العادة جرت بعدم السكوت عن مثل ذلك إن وقع قال فيحتمل أنه لم يجب عليه شيء لأنه كان مأذونا له في أصل القتل فلا يضمن ما أتلف من نفس ولا مال كالخاتن والطبيب أو لأن المقتول كان من العدو ولم يكن له ولي من المسلمين يستحق ديته قال وهذا يتمشى على بعض الأراء أو لأن أسامة أقر بذلك ولم تقم بذلك بينة فلم تلزم العاقلة الدية وفيه نظر قال بن بطال كانت هذه القصة سبب حلف أسامة أن لا يقاتل مسلما بعد ذلك ومن ثم تخلف عن علي في الجمل وصفين كما سيأتي بيانه في كتاب الفتن قلت وكذا وقع في رواية الأعمش المذكورة أن سعد بن أبي وقاص كان يقول لا أقاتل مسلما حتى يقاتله أسامة واستدل به النووي على رد الفرع الذي ذكره الرافعي فيمن رأى كافرا أسلم فأكرم إكراما كثيرا فقال ليتني كنت كافرا فأسلمت لأكرم وقال الرافعي يكفر بذلك ورده النووي بأنه لا يكفر لأنه جازم الإسلام في الحال