الندب إلى النصر وليس فيه الإذن بالقتل والمتجه قول بن بطال أن القادر على تخليص المظلوم توجه عليه دفع الظلم بكل ما يمكنه فإذا دافع عنه لا يقصد قتل الظالم وانما يقصد دفعه فلو أتى الدفع على الظالم كان دمه هدرا وحينئذ لا فرق بين دفعه عن نفسه أو عن غيره قوله وان قيل له لتشربن الخمر أو لتأكلن الميتة أو لتبيعن عبدك أو لتقر بدين أو تهب هبة أو تحل عقدة أو لتقتلن أباك أو أخاك في الإسلام وما أشبه ذلك وسعه ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلّم المسلم أخو المسلم قال الكرماني المراد بحل العقدة فسخها وقيد الأخ بالإسلام ليكون أعم من القريب وسعه ذلك أي جاز له جميع ذلك ليخلص أباه وأخاه وقال بن بطال ما ملخصه مراد البخاري أن من هدد بقتل والده أو بقتل أخيه في الإسلام أن لم يفعل شيئا من المعاصي أو يقر على نفسه بدين ليس عليه أو يهب شيئا لغيره بغير طيب نفس منه أو يحل عقدا كالطلاق والعتاق بغير اختياره أنه يفعل جميع ما هدد به لينجو أبوه من القتل وكذا أخوه المسلم من الظلم ودليله على ذلك ما ذكره في الباب الذي بعده موصولا ومعلقا ونبه بن التين على وهم وقع للداودي الشارح حاصله أن الداودي وهم في إيراد كلام البخاري فجعل قوله لتقتلن بالتاء وجعل قول البخاري وسعه ذلك لم يسعه ذلك ثم تعقبه بأنه إن أراد لا يسعه في قتل أبيه أو أخيه فصواب وأما الإقرار بالدين والهبة والبيع فلا يلزم واختلف في الشرب والأكل قال بن التين قرأ لتقتلن بتاء المخاطبة وانما هو بالنون قوله وقال بعض الناس لو قيل له لتشربن الخمر أو لتأكلن الميتة أو لتقتلن ابنك أو أباك أو ذا رحم محرم لم يسعه لأن هذا ليس بمضطر ثم ناقض فقال إن قيل له لتقتلن أباك أو لتبيعن هذا العبد أو لتقرن بدين أو بهبة يلزمه في القياس ولكنا نستحسن ونقول البيع والهبة وكل عقدة في ذلك باطل قال بن بطال معناه أن ظالما لو أراد قتل رجل فقال لولد الرجل مثلا ان لم تشرب الخمر أو تأكل الميتة قتلت أباك وكذا لو قال له قتلت ابنك أو ذا رحم لك ففعل لم يأثم عند الجمهور وقال أبو حنيفة يأثم لأنه ليس بمضطر لان الإكراه انما يكون فيما يتوجه إلى الإنسان في خاصة نفسه لا في غيره وليس له أن يعصي الله حتى يدفع عن غيره بل الله سائل الظالم ولا يؤاخذ الابن لأنه لم يقدر على الدفع الا بارتكاب ما لا يحل له ارتكابه قال ونظيره في القياس ما لو قال ان لم تبع عبدك أو تقر بدين أو تهب هبة أن كل ذلك ينعقد كما لا يجوز له أن يرتكب المعصية في الدفع عن غيره ثم ناقض هذا المعنى فقال ولكنا نستحسن ونقول البيع وغيره من العقود كل ذلك باطل فخالف قياس قوله بالاستحسان الذي ذكره فلذلك قال البخاري بعده فرقوا بين كل ذي رحم محرم وغيره بغير كتاب ولا سنة يعني أن مذهب الحنفية في ذي رحم بخلاف مذهبهم في الأجنبي فلو قيل لرجل لتقتلن هذا الرجل الأجنبي أو لتبيعن كذا ففعل لينجيه من القتل لزمه البيع ولو قيل له ذلك في ذي رحمه لم يلزمه ما عقده والحاصل أن أصل أبي حنيفة اللزوم في الجميع قياسا لكن يستثنى من له منه رحم استحسانا ورأى البخاري أن لا فرق بين القريب والاجنبي في ذلك لحديث المسلم أخو المسلم فإن المراد به أخوة الإسلام لا النسب ولذلك استشهد بقول إبراهيم هذه أختي والمراد أخوة الإسلام والا فنكاح الأخت كان حراما في ملة إبراهيم وهذه الأخوة توجب حماية أخيه المسلم والدفع عنه فلا يلزمه ما عقده ولا إثم عليه فيما يأكل ويشرب للدفع عنه فهو كما لو قيل له لتفعلن كذا أو لنقتلنك فإنه يسعه اتيانها ولا يلزمه الحكم ولا يقع عليه الإثم وقال الكرماني يحتمل أن يقرر البحث المذكور بأن يقال إنه ليس بمضطر لأنه مخير في أمور متعددة والتخيير ينافي الإكراه فكما لا اكراه في الصورة الأولى