ذكرت الاختلاف في سبب نزولها في تفسير سورة المائدة وترجيح بن المنير انه في كثرة المسائل عما كان وعما لم يكن وصنيع البخاري يقتضيه والأحاديث التي ساقها في الباب تؤيده وقد اشتد إنكار جماعة من الفقهاء ذلك منهم القاضي أبو بكر بن العربي فقال اعتقد قوم من الغافلين منع السؤال عن النوازل إلى ان تقع تعلقا بهذه الآية وليس كذلك لأنها مصرحة بأن المنهي عنه ما تقع المسألة في جوابه ومسائل النوازل ليست كذلك انتهى وهو كما قال لأن ظاهرها اختصاص ذلك بزمان نزول الوحي ويؤيده حديث سعد الذي صدر به المصنف الباب من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته فان مثل ذلك قد أمن وقوعه ويدخل في معنى حديث سعد ما أخرجه البزار وقال سنده صالح وصححه الحاكم من حديث أبي الدرداء رفعه ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فان الله لم يكن ينسى شيئا ثم تلا هذه الآية وما كان ربك نسيا وأخرج الدارقطني من حديث أبي ثعلبة رفعه ان الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها وله شاهد من حديث سلمان أخرجه الترمذي وآخر من حديث بن عباس أخرجه أبو داود وقد أخرج مسلم وأصله في البخاري كما تقدم في كتاب العلم من طريق ثابت عن أنس قال كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن شيء وكان يعجبنا ان يجيء الرجل الغافل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع فذكر الحديث ومضى في قصة اللعان من حديث بن عمر فكره رسول الله صلى الله عليه وسلّم المسائل وعابها ولمسلم عن النواس بن سمعان قال أقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم سنة بالمدينة ما يمنعني من الهجرة الا المسألة كان أحدنا إذا هاجر لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلّم ومراده انه قدم وافدا فاستمر بتلك الصورة ليحصل المسائل خشية أن يخرج من صفة الوفد إلى استمرار الإقامة فيصير مهاجرا فيمتنع عليه السؤال وفيه إشارة إلى ان المخاطب بالنهي عن السؤال غير الأعراب وفودا كانوا أو غيرهم وأخرج احمد عن أبي امامة قال لما نزلت يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء الآية كنا قد اتقينا أن نسأله صلى الله عليه وسلّم فأتينا أعرابيا فرشوناه بردا وقلنا سل النبي صلى الله عليه وسلّم ولأبي يعلى عن البراء ان كان ليأتي علي السنة أريد أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن الشيء فأتهيب وان كنا لنتمنى الأعراب أي قدومهم ليسألوا فيسمعوهم أجوبة سؤالات الأعراب فيستفيدوها وأما ما ثبت في الأحاديث من أسئلة الصحابة فيحتمل ان يكون قبل نزول الآية ويحتمل ان النهي في الآية لا يتناول ما يحتاج إليه مما تقرر حكمه أو ما لهم بمعرفته حاجة راهنة كالسؤال عن الذبح بالقصب والسؤال عن وجوب طاعة الأمراء إذا امروا بغير الطاعة والسؤال عن أحوال يوم القيامة وما قبلها من الملاحم والفتن والأسئلة التي في القرآن كسؤالهم عن الكلالة والخمر والميسر والقتال في الشهر الحرام واليتامى والمحيض والنساء والصيد وغير ذلك لكن الذين تعلقوا بالآية في كراهية كثرة المسائل عما لم يقع أخذوه بطريق الإلحاق من جهة ان كثرة السؤال لما كانت سببا للتكليف بما يشق فحقها ان تجتنب وقد عقد الامام الدارمي في أوائل مسنده لذلك بابا وأورد فيه عن جماعة من الصحابة والتابعين آثارا كثيرة في ذلك منها عن بن عمر لا تسألوا عما لم يكن فاني سمعت عمر يلعن السائل عما لم يكن وعن عمر أحرج عليكم ان تسألوا عما لم يكن فان لنا فيما كان شغلا وعن زيد بن ثابت انه كان إذا سئل عن الشيء يقول كان هذا فان قيل لا قال دعوه حتى يكون وعن أبي بن كعب وعن عمار نحو ذلك وأخرج أبو داود في المراسيل من رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة مرفوعا ومن