( قوله باب وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ) .
وقوله تعالى ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن ذكر فيه حديثين حديث علي في قول النبي صلى الله عليه وسلّم الا تصلون وجوابه بقوله انما أنفسنا بيد الله وتلاوة النبي صلى الله عليه وسلّم الآية وهو متعلق بالركن الأول من الترجمة وحديث أبي هريرة في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلّم اليهود في بيت مدراسهم وهو متعلق بالركن الثاني منها كما سأذكره قال الكرماني الجدال هو الخصام ومنه قبيح وحسن وأحسن فما كان للفرائض فهو أحسن وما كان للمستحبات فهو حسن وما كان لغير ذلك فهو قبيح قال أو هو تابع للطريق فباعتباره يتنوع انواعا وهذا هو الظاهر انتهى ويلزم على الأول ان يكون في المباح قبيحا وفاته تنويع القبيح إلى أقبح وهو ما كان في الحرام وقد تقدم شرح حديث علي في الدعوات ويؤخذ منه ان عليا ترك فعل الأولى وان كان ما احتج به متجها ومن ثم تلي النبي صلى الله عليه وسلّم الآية ولم يلزمه مع ذلك بالقيام إلى الصلاة ولو كان امتثل وقام لكان أولى ويؤخذ منه الإشارة إلى مراتب الجدال فإذا كان فيما لا بد له منه تعين نصر الحق بالحق فان جاوز الذي ينكر عليه المأمور نسب إلى التقصير وان كان في مباح اكتفى فيه بمجرد الأمر والإشارة إلى ترك الأولى وفيه ان الإنسان طبع على الدفاع عن نفسه بالقول والفعل وانه ينبغي له ان يجاهد نفسه ان يقبل النصيحة ولو كانت في غير واجب وان لا يدفع الا بطريق معتدلة من غير افراط ولا تفريط ونقل بن بطال عن المهلب ما ملخصه ان عليا لم يكن له أن يدفع ما دعاه النبي صلى الله عليه وسلّم إليه من الصلاة بقوله ذلك بل كان عليه الاعتصام بقوله فلا حجة لأحد في ترك المأمور انتهى ومن أين له ان عليا لم يمتثل ما دعاه إليه فليس في القصة تصريح بذلك وانما أجاب علي بما ذكر اعتذارا عن تركه القيام بغلبة النوم ولا يمتنع انه صلى عقب هذه المراجعة إذ ليس في الخبر ما ينفيه وقال الكرماني حرضهم النبي صلى الله عليه وسلّم باعتبار الكسب والقدرة الكاسبة وأجاب علي باعتبار القضاء والقدر قال وضرب النبي صلى الله عليه وسلّم فخذه تعجبا من سرعة جواب علي ويحتمل ان يكون تسليما لما قال وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة في هذا الحديث من الفوائد مشروعية التذكير للغافل خصوصا القريب والصاحب لأن الغفلة من طبع البشر فينبغي للمرء ان يتفقد نفسه ومن يحبه بتذكير الخير والعون عليه وفيه ان الاعتراض بأثر الحكمة لا يناسبه الجواب بأثر القدرة وأن للعالم إذا تكلم بمقتضى الحكمة في أمر غير واجب ان يكتفي من الذي كلمه في احتجاجه بالقدرة يؤخذ الأول من ضربه صلى الله عليه وسلّم على فخذه والثاني من عدم إنكاره بالقول صريحا قال وانما لم يشافهه بقوله وكان الإنسان أكثر شيء جدلا لعلمه ان عليا