على اليمن وكان منهم أبرهة صاحب الفيل الذي غزا مكة وأراد هدم الكعبة حتى أجلاهم عنها سيف بن ذي يزن كما ذكره بن إسحاق مبسوطا أيضا ولم يبق بعد ذلك باليمن أحد من النصارى أصلا الا بنجران وهي بين مكة واليمن وبقي ببعض بلادها قليل من اليهود قوله فليكن أول ما تدعوهم إلى ان يوحدوا الله فإذا عرفوا ذلك مضى في وسط الزكاة من طريق إسماعيل بن أمية عن يحيى بن عبد الله بلفظ فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله فإذا عرفوا الله وكذا أخرجه مسلم عن الشيخ الذي أخرجه عنه البخاري وقد تمسك به من قال أول واجب المعرفة كامام الحرمين واستدل بأنه لا يتأتي الإتيان بشيء من المأمورات على قصد الامتثال ولا الانكفاف عن شيء من المنهيات على قصد الانزجار الا بعد معرفة الآمر والناهي واعترض عليه بان المعرفة لا تتأتى الا بالنظر والاستدلال وهو مقدمة الواجب فيجب فيكون أول واجب النظر وذهب إلى هذا طائفة كابن فورك وتعقب بان النظر ذو أجزاء يترتب بعضها على بعض فيكون أول واجب جزأ من النظر وهو محكى عن القاضي أبي بكر بن الطيب وعن الأستاذ أبي إسحاق الاسفرايني أول واجب القصد إلى النظر وجمع بعضهم بين هذه الأقوال بان من قال أول واجب المعرفة أراد طلبا وتكليفا ومن قال النظر أو القصد أراد امتثالا لأنه يسلم انه وسيلة إلى تحصيل المعرفة فيدل ذلك على سبق وجوب المعرفة وقد ذكرت في كتاب الإيمان من اعرض عن هذا من أصله وتمسك بقوله تعالى فاقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها وحديث كل مولود يولد على الفطرة فأن ظاهر الآية والحديث ان المعرفة حاصلة بأصل الفطرة وان الخروج عن ذلك يطرأ على الشخص لقوله E فأبواه يهودانه وينصرانه وقد وافق أبو جعفر السمناني وهو من رؤوس الأشاعرة على هذا وقال ان هذه المسألة بقيت في مقالة الأشعري من مسائل المعتزلة وتفرع عليها ان الواجب على كل أحد معرفة الله بالأدلة الدالة عليه وانه لا يكفي التقليد في ذلك انتهى وقرأت في جزء من كلام شيخ شيخنا الحافظ صلاح الدين العلائي ما ملخصه ان هذه المسألة مما تناقضت فيها المذاهب وتباينت بين مفرط ومفرط ومتوسط فالطرف الأول قول من قال يكفي التقليد المحض في اثبات وجود الله تعالى ونفي الشريك عنه وممن نسب إليه إطلاق ذلك عبيد الله بن الحسن العنبري وجماعة من الحنابلة والظاهرية ومنهم من بالغ فحرم النظر في الأدلة واستند إلى ما ثبت عن الأئمة الكبار من ذم الكلام كما سيأتي بيانه والطرف الثاني قول من وقف صحة ايمان كل أحد على معرفة الأدلة من علم الكلام ونسب ذلك لأبي إسحاق الأسفرايني وقال الغزالي أسرفت طائفة فكفروا عوام المسلمين وزعموا ان من لم يعرف العقائد الشرعية بالأدلة التي حرروها فهو كافر فضيقوا رحمة الله الواسعة وجعلوا الجنة مختصة بشرذمة يسيرة من المتكلمين وذكر نحوه أبو المظفر بن السمعاني وأطال في الرد على قائله ونقل عن أكثر أئمة الفتوى انهم قالوا لا يجوز ان تكلف العوام اعتقاد الأصول بدلائلها لأن في ذلك من المشقة أشد من المشقة في تعلم الفروع الفقهية واما المذهب المتوسط فذكره وسأذكره ملخصا بعد هذا وقال القرطبي في المفهم في شرح حديث أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم الذي تقدم شرحه في أثناء كتاب الأحكام وهو في أوائل كتاب العلم من صحيح مسلم هذا الشخص الذي يبغضه الله هو الذي يقصد بخصومته مدافعة الحق ورده بالأوجه الفاسدة والشبه الموهمة وأشد ذلك الخصومة في أصول الدين كما يقع لأكثر المتكلمين المعرضين عن الطرق التي أرشد إليها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم وسلف أمته إلى طرق مبتدعة واصطلاحات مخترعة وقوانين