منزه عن ذلك فرد عليهم البخاري بحديث الباب والآية وفيه انهم إذا ذهب عنهم الفزع قالوا لمن فوقهم ماذا قال ربكم فدل ذلك على انهم سمعوا قولا لم يفهموا معناه من أجل فزعهم فقالوا ماذا قال ولم يقولوا ماذا خلق وكذا أجابهم من فوقهم من الملائكة بقولهم قالوا الحق والحق أحد صفتي الذات التي لا يجوز عليها غيره لأنه لا يجوز على كلامه الباطل فلو كان خلقا أو فعلا لقالوا خلق خلقا انسانا أو غيره فلما وصفوه بما يوصف به الكلام لم يجز ان يكون القول بمعنى التكوين انتهى وهذا الذي نسبه للكلابية بعيد من كلامهم وانما هو كلام بعض المعتزلة فقد ذكر البخاري في خلق أفعال العباد عن أبي عبيد القاسم بن سلام ان المريسي قال في قوله تعالى انما قولنا لشيء إذا أردناه ان نقول له كن فيكون هو كقول العرب قالت السماء فأمطرت وقال الجدار هكذا إذا مال فمعناه قوله إذا أردناه إذا كوناه وتعقبه أبو عبيد بأنه أغلوطة لأن القائل إذا قال قالت السماء لم يكن كلاما صحيحا حتى يقول فأمطرت بخلاف من يقول قال الإنسان فإنه يفهم منه انه قال كلاما فلولا قوله فأمطرت لكان الكلام باطلا لأن السماء لا قول لها فالى هذا أشار البخاري وهذا أول باب تكلم فيه البخاري على مسألة الكلام وهي طويلة الذيل قد أكثر أئمة الفرق فيها القول وملخص ذلك قال البيهقي في كتاب الاعتقاد القرآن كلام الله وكلام الله صفة من صفات ذاته وليس شيء من صفات ذاته مخلوقا ولا محدثا ولا حادثا قال تعالى انما قولنا لشيء إذا أردناه ان نقول له كن فيكون فلو كان القرآن مخلوقا لكان مخلوقا يكن ويستحيل ان يكون قول الله لشيء بقول لأنه يوجب قولا ثانيا وثالثا فيتسلسل وهو فاسد وقال الله تعالى الرحمن علم القرآن خلق الإنسان فخص القرآن بالتعليم لأنه كلامه وصفته وخص الإنسان بالتخليق لأنه خلقه ومصنوعه ولولا ذلك لقال خلق القرآن والانسان وقال الله تعالى وكلم الله موسى تكليما ولا يجوز ان يكون كلام المتكلم قائما بغيره وقال الله تعالى وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا الآية فلو كان لا يوجد الا مخلوقا في شيء مخلوق لم يكن لاشتراط الوجوه المذكورة في الآية معنى لاستواء جميع الخلق في سماعه عن غير الله فبطل قول الجهمية انه مخلوق في غير الله ويلزمهم في قولهم ان الله خلق كلاما في شجرة كلم به موسى ان يكون من سمع كلام الله من ملك أو نبي أفضل في سماع الكلام من موسى ويلزمهم أن تكون الشجرة هي المتكلمة بما ذكر الله انه كلم به موسى وهو قوله انني انا الله لا اله الا انا فاعبدني وقد أنكر الله تعالى قول المشركين ان هذا الا قول البشر ولا يعترض بقوله تعالى انه لقول رسول كريم لأن معناه قول تلقاه عن رسول كريم كقوله تعالى فأجره حتى يسمع كلام الله ولا بقوله انا جعلناه قرآنا عربيا لأن معناه سميناه قرآنا وهو كقوله وتجعلون رزقكم انكم تكذبون وقوله ويجعلون لله ما يكرهون وقوله ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث فالمراد أن تنزيله إلينا هو المحدث لا الذكر نفسه وبهذا احتج الامام احمد ثم ساق البيهقي حديث نيار بكسر النون وتخفيف التحتانية بن مكرم ان أبا بكر قرأ عليهم سورة الروم فقالوا هذا كلامك أو كلام صاحبك قال ليس كلامي ولا كلام صاحبي ولكنه كلام الله وأصل هذا الحديث أخرجه الترمذي مصححا وعن علي بن أبي طالب ما حكمت مخلوقا ما حكمت الا القرآن ومن طريق سفيان بن عيينة سمعت عمرو بن دينار وغيره من مشيختنا يقولون القرآن كلام الله ليس بمخلوق وقال بن حزم في الملل والنحل أجمع أهل الإسلام على ان الله تعالى كلم موسى وعلى ان القرآن كلام الله وكذا غيره من الكتب المنزلة والصحف ثم اختلفوا فقالت المعتزلة ان كلام