ليلة واحدة في يقظته صلى الله عليه وسلّم وهذا هو المشهور عند الجمهور وقيل كانا جميعا في ليلة واحدة في منامه وقيل وقعا جميعا مرتين في ليلتين مختلفتين إحداهما يقظة والأخرى مناما وقيل كان الإسراء إلى بيت المقدس خاصة في اليقظة وكان المعراج مناما أما في تلك الليلة أو في غيرها والذي ينبغي أن لا يجري فيه الخلاف إن الإسراء إلى بيت المقدس كان في اليقظة لظاهر القرآن ولكون قريش كذبته في ذلك ولو كان مناما لم تكذبه فيه ولا في أبعد منه وقد روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلّم جماعة من الصحابة لكن طرقه في الصحيحين تدور على أنس مع اختلاف أصحابه عنه فرواه الزهري عنه عن أبي ذر كما في هذا الباب ورواه قتادة عنه عن مالك بن صعصعة ورواه شريك بن أبي نمر وثابت البناني عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم بلا واسطة وفي سياق كل منهم عنه ما ليس عند الآخر والغرض من إيراده هنا ذكر فرض الصلاة فليقع الاقتصار هنا على شرحه ونذكر الكلام على اختلاف طرقه وتغاير ألفاظها وكيفية الجمع بينها في الموضع اللائق به وهو في السيرة النبوية قبيل الهجرة إن شاء الله تعالى والحكمة في وقوع فرض الصلاة ليلة المعراج أنه لما قدس ظاهرا وباطنا حين غسل بماء زمزم بالإيمان والحكمة ومن شأن الصلاة أن يتقدمها الطهور ناسب ذلك أن تفرض الصلاة في تلك الحالة وليظهر شرفه في الملأ الأعلى ويصلي بمن سكنه من الأنبياء وبالملائكة وليناجي ربه ومن ثم كان المصلي يناجي ربه جل وعلا قوله وقال بن عباس هذا طرف من حديث أبي سفيان المتقدم موصولا في بدء الوحي والقائل يأمرنا هو أبو سفيان ومناسبته لهذه الترجمة إن فيه إشارة إلى أن الصلاة فرضت بمكة قبل الهجرة لأن أبا سفيان لم يلق النبي صلى الله عليه وسلّم بعد الهجرة إلى الوقت الذي اجتمع فيه بهرقل لقاء يتهيأ له معه أن يكون آمرا له بطريق الحقيقة والإسراء كان قبل الهجرة بلا خلاف وبيان الوقت وأن لم يكن من الكيفية حقيقة لكنه من جملة مقدماتها كما وقع نظير ذلك في أول الكتاب في قوله كيف كان بدء الوحي وساق فيه ما يتعلق بالمتعلق بذلك فظهرت المناسبة .
342 - قوله فرج بضم الفاء وبالجيم أي فتح والحكمة فيه إن الملك انصب إليه من السماء انصبابة واحدة ولم يعرج على شيء سواه مبالغة في المناجاة وتنبيها على أن الطلب وقع على غير ميعاد ويحتمل أن يكون السر في ذلك التمهيد لما وقع من شق صدره فكأن الملك أراه بانفراج السقف والتئامه في الحال كيفية ما سيصنع به لطفا به وتثبيتا له والله اعلم قوله ففرج صدري هو بفتح الفاء وبالجيم أيضا أي شقه ورجح عياض إن شق الصدر كان وهو صغير عند مرضعته حليمة وتعقبه السهيلي بان ذلك وقع مرتين وهو الصواب وسيأتي تحقيقه عند الكلام على حديث شريك في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى ومحصله إن الشق الأول كان لاستعداده لنزع العلقة التي قيل له عندها هذا حظ الشيطان منك والشق الثاني كان لاستعداده للتلقي الحاصل له في تلك الليلة وقد روى الطيالسي والحارث في مسنديهما من حديث عائشة إن الشق وقع مرة أخرى عند مجيء جبريل له بالوحي في غار حراء والله أعلم ومناسبته ظاهرة وروى الشق أيضا وهو بن عشر أو نحوها في قصة له مع عبد المطلب أخرجها أبو نعيم في الدلائل وروى مرة أخري خامسة ولا تثبت قوله ثم جاء بطست بفتح الطاء وبكسرها إناء معروف سبق تحقيقه في الوضوء وخص بذلك لأنه آلة الغسل عرفا وكان من ذهب لأنه أعلى أواني الجنة وقد أبعد من استدل به على جواز تحلية المصحف وغيره بالذهب لأن المستعمل له الملك فيحتاج إلى ثبوت كونهم مكلفين بما كلفنا به ووراء ذلك إن ذلك كان على أصل الإباحة لأن تحريم الذهب إنما وقع بالمدينة كما سيأتي واضحا في اللباس قوله ممتلئ كذا وقع بالتذكير على معنى الإناء