فصلينا السجدتين الباقيتين إلى البيت الحرام قلت وتصويره أن الإمام تحول من مكانه في مقدم المسجد إلى مؤخر المسجد لأن من استقبل الكعبة استدبر بيت المقدس وهو لو دار كما هو في مكانه لم يكن خلفه مكان يسع الصفوف ولما تحول الإمام تحولت الرجال حتى صاروا خلفه وتحولت النساء حتى صرن خلف الرجال وهذا يستدعي عملا كثيرا في الصلاة فيحتمل أن يكون ذلك وقع قبل تحريم العمل الكثير كما كان قبل تحريم الكلام ويحتمل أن يكون اغتفر العمل المذكور من أجل المصلحة المذكورة أو لم تتوال الخطأ عند التحويل بل وقعت مفرقة والله أعلم وفي هذا الحديث إن حكم الناسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه لأن أهل قباء لم يؤمروا بالإعادة مع كون الأمر باستقبال الكعبة وقع قبل صلاتهم تلك بصلوات واستنبط منه الطحاوي أن من لم تبلغه الدعوة ولم يمكنه استعلام ذلك فالفرض غير لازم له وفيه جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلّم لأنهم لما تمادوا في الصلاة ولم يقطعوها دل على أنه رجح عندهم التمادي والتحول على القطع والاستئناف ولا يكون ذلك الا عن اجتهاد كذا قيل وفيه نظر لاحتمال أن يكون عندهم في ذلك نص سابق لأنه صلى الله عليه وسلّم كان مترقبا التحول المذكور فلا مانع أن يعلمهم ما صنعوا من التمادي والتحول وفيه قبول خبر الواحد ووجوب العمل به ونسخ ما تقرر بطريق العلم به لأن صلاتهم إلى بيت المقدس كانت عندهم بطريق القطع لمشاهدتهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلّم إلى جهته ووقع تحولهم عنها إلى جهة الكعبة بخبر هذا الواحد وأجيب بان الخبر المذكور احتفت به قرائن ومقدمات أفادت القطع عندهم بصدق ذلك المخبر فلم ينسخ عندهم ما يفيد العلم إلا بما يفيد العلم وقيل كان النسخ بخبر الواحد جائزا في زمنه صلى الله عليه وسلّم مطلقا وإنما منع بعده ويحتاج إلى دليل وفيه جواز تعليم من ليس في الصلاة من هو فيها وأن استماع المصلي لكلام من ليس في الصلاة لا يفسد صلاته وقد تقدم الكلام على تعيين الوقت الذي حولت فيه القبلة في الكلام على حديث البراء في كتاب الإيمان ووجه تعلق حديث بن عمر بترجمة الباب أن دلالته على الجزء الأول منها من قوله أمر أن يستقبل الكعبة وعلى الجزء الثاني من حيث أنهم صلوا في أول تلك الصلاة إلى القبلة المنسوخة جاهلين بوجوب التحول عنها وأجزأت عنهم مع ذلك ولم يؤمروا بالإعادة فيكون حكم الساهي كذلك لكن يمكن أن يفرق بينهما بان الجاهل مستصحب للحكم الأول مغتفر في حقه ما لا يغتفر في حق الساهي لأنه إنما يكون عن حكم استقر عنده وعرفه .
396 - قوله عن عبد الله يعني بن مسعود قال صلى النبي صلى الله عليه وسلّم الظهر خمسا تقدم الكلام عليه في الباب الذي قبله وتعلقه بالترجمة من قوله قال وما ذاك أي ما سبب هذا السؤال وكان في تلك الحالة غير مستقبل القبلة سهوا كما يظهر في الرواية الماضية من قوله فثنى رجله واستقبل القبلة