قائل ذلك من أن يكون متكذبا أو جاهلا وأكثر ظني أن قائله فيه متكذب وقد تعمد ذلك لأن هذا إنما هو حديث علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع وقد روي من طرق كثيرة وليس في شيء منها ما ذكر من الترتيب وعطف الأعضاء بعضها على بعض بثم وإنما أكثر ما فيه يغسل وجهه ويديه ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين وقال في بعضها حتى يضع الطهور مواضعه وذلك يقتضي جواز ترك الترتيب وأما عطفه بثم فما رواه أحد ولا ذكره بإسناد ضعيف ولا قوي وعلى أنه لو روي ذلك في الحديث لم يجز الاعتراض به على القرآن في إثبات الزيادة فيه وإيجاب نسخه فإذ قد ثبت أنه ليس في القرآن إيجاب الترتيب فغير جائز إثباته بخبر الواحد لما وصفنا .
باب الغسل من الجنابة .
قال الله تعالى وإن كنتم جنبا فاطهروا قال أبو بكر الجنابة اسم شرعي يفيد لزوم اجتناب الصلاة وقراءة القرآن ومس المصحف ودخول المسجد إلا بعد الاغتسال فمن كان مأمور باجتناب ما ذكرنا من الأمور موقوف الحكم على الاغتسال فهو جنب وذلك إنما يكون بالإنزال على وجه الدفق والشهوة أو الإيلاج في أحد السبيلين من الإنسان ويستوي فيه الفاعل والمفعول به وينفصل حكم الجنابة من حكم الحيض والنفاس وإن كان الحيض والنفاس يحظران ما تحظره الجنابة مما قدمنا بأن الحيض والنفاس يحظران الوطء أيضا ووجود الغسل لا يطهرهما أيضا ما دامت حائضا أو نفساء والغسل يطهر الجنب ولا تحظر عليه الجنابة الوطء وإنما سمي جنبا لما لزم من اجتناب ما وصفنا إلى أن يغتسل فيطهره الغسل والجنب اسم يطلق على الواحد وعلى الجماعة وذلك لأنه مصدر كما قالوا رجل عدل وقوم عدل ورجل زور وقوم زور من الزيارة وتقول منه أجنب الرجل وتجنب واجتنب والمصدر الجنابة والاجتناب فالجنابة المذكورة في هذا الموضع هي البعد والاجتناب لما وصفنا وقال الله تعالى والجار ذي القربى والجار الجنب يعني البعيد منه نسبا فصارت الجنابة في الشرع اسما للزوم اجتناب ما وصفنا من الأمور وأصله التباعد عن الشيء وهو مثل الصوم قد صار اسما في الشرع للإمساك عن أشياء معلومة وقد كان أصله في اللغة الإمساك فقط واختص في الشرع بما قد علم وقوعه عليه ونظائره من الأسماء الشرعية المنقولة من اللغة إليها فكان المعقول بها ما استقرت عليه أحكامها