وأيضا فإن الصدقة على هؤلاء فقد تكون صدقة صحيحة من وجه في غير حال الضرورة وهو أن يتصدق عليهم صدقة التطوع فأشبهت من هذا الوجه الصلاة إلى الكعبة إذا أداها باجتهاد صحيح ثم تبين أنه أخطأها كانت صلاته ماضية إذ كانت الصلاة إلى غير جهة الكعبة قد تكون صلاة صحيحة من غير ضرورة وهو المصلي تطوعا على الراحلة فكان إعطاء الزكاة باجتهاد مشبها لأداء الصلاة باجتهاد على النحو الذي ذكرنا فإن قيل إنما يشبه مسألة الزكاة من توضأ بماء يظنه طاهرا ثم علم أنه كان نجسا فلا تجزيه صلاته لأنه صار من اجتهاد إلى يقين كذلك مؤدي الزكاة إلى غني أو ابنه أو ذمي إذا علم فقد صار من اجتهاد إلى يقين فبطل حكم اجتهاده ووجبت عليه الإعادة قيل له ليس كذلك لأن الوضوء بالماء النجس لا يكون طهارة بحال فلم يكن للاجتهاد تأثير في جوازه وترك القبلة جائز في أحوال فمسئلتنا بما ذكرناه أشبه فإن قيل الصلاة قد تجوز في الثوب النجس في حال ومع ذلك فلو أداها باجتهاد منه في طهارة الثوب ثم تبين النجاسة بطلت صلاته ووجبت عليه الإعادة ولم يكن جواز الصلاة في الثوب النجس بحال موجبا لجواز أداءها بالاجتهاد متى صار إلى يقين النجاسة قيل له أغفلت معنى اعتلالنا لأنا قلنا إن ترك القبلة جائز من غير ضرورة كجواز إعطاء هؤلاء من صدقة التطوع من غير ضرورة فكانا متساويين من هذا الوجه ألا ترى أنه لا ضرورة بالمصلي على الراحلة في فعل التطوع كما لا ضرورة بالمتصدق صدقة التطوع على ما ذكرنا فلما استويا من هذا الوجه اشتبها في الحكم وأما الصلاة في الثوب النجس فغير جائزة إلا في حال الضرورة ويستوي فيه حكم مصلي الفرض أو متنفل فلذلك اختلفا .
باب دفع الصدقات إلى صنف واحد .
قال الله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين الآية فروى أبو داود الطيالسي قال حدثنا أشعث بن سعيد عن عطاء عن سعيد بن جبير عن علي وابن عباس قالا إذا أعطى الرجل الصدقة صنفا واحدا من الأصناف الثمانية أجزأه وروي مثل ذلك عن عمر بن الخطاب وحذيفة وعن سعيد بن جبير وإبراهيم وعمر بن عبدالعزيز وأبي العالية ولا يروى عن الصحابة خلافه فصار إجماعا من السلف لا يسع أحدا خلافه لظهوره واستفاضته فيهم من غير خلاف ظهر من أحد من نظرائهم عليهم وروى الثوري عن إبراهيم بن