أن مسجد الضرار لم يكن مما يجوز القيام فيه لنهي الله تعالى نبيه عن ذلك فلو لم يكن المعنى ما ذكرنا لكان تقديره لمسجد أسس على التقوى أحق أن تقوم فيه من مسجد لا يجوز القيام فيه ويكون بمنزلة قوله فعل الفرض أصلح من تركه وهذا قد يسوغ إلا أن المعنى الأول هو وجه الكلام وقد اختلف في المسجد الذي أسس على التقوى ما هو فروي عن ابن عمر وسعيد بن المسيب أنه مسجد المدينة وروي عن أبي بن كعب وأبي سعيد الخدري عن النبي ص - أنه قال هو مسجدي هذا وروي عن ابن عباس والحسن وعطية أنه مسجد قباء قوله تعالى فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين فيه دلالة على أن فضيلة أهل المسجد فضيلة للمسجد وللصلاة فيه وقوله يحبون أن يتطهروا روي عن الحسن قال يتطهرون من الذنوب وقيل فيه التطهر بالماء حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن العلاء قال حدثنا معاوية بن هشام عن يونس بن الحارث عن إبراهيم بن أبي ميمونة عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي ص - قال نزلت هذه الآية في أهل قباء فيه رجال يحبون أن يتطهروا قال كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية وقد حوى هذا الخبر معنيين أحدهما أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد قباء والثاني أن الاستنجاء بالماء أفضل منه بالأحجار وقد تواترت الأخبار عن النبي ص - بالاستنجاء بالأحجار قولا وفعلا وقد روي عن النبي ص - أنه استنجى بالماء قوله تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم أطلق الشرى فيه على طريق المجاز لأن المشتري في الحقيقة هو الذي يشتري مالا يملك والله تعالى مالك أنفسنا وأموالنا ولكنه كقوله تعالى من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فسماه شرى كما سمى الصدقة قرضا لضمان الثواب فيهما به فأجرى لفظه مجرى ما لا يملكه العامل فيه استدعاء إليه وترغيبا فيه قوله تعالى السائحون قيل إنهم الصائمون روي عن النبي ص - أنه قال سياحة أمتي الصوم وروي عن عبدالله بن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد أنه الصوم وقوله تعالى والحافظون لحدود الله هو أتم ما يكون من المبالغة في الوصف بطاعة الله والقيام بأوامره والانتهاء عن زواجره وذلك لأن لله تعالى حدودا في أوامره وزواجره وما ندب إليه ورغب فيه أو أباحه وما خير فيه وما هو الأولى في تحري موافقة أمر الله وكل هذه حدود الله فوصف تعالى هؤلاء القوم بهذا الوصف