الفرقة كالطلاق وجب أن يختلف حكم طلاق المكره والطائع قيل له ليس لفظ الكفر من ألفاظ الفرقة لا كناية ولا تصريحا وإنما تقع به الفرقة إذا حصل والمكره على الكفر لا يكون كافرا فلما لم يصر كافرا بإظهاره كلمة الكفر على وجه الإكراه لم تقع الفرقة وأما الطلاق فهو من ألفاظ الفرقة والبينونة وقد وجد إيقاعه في لفظ مكلف فوجب أن لا يختلف حكمه في حال الإكراه والطوع فإن قال قائل تساوى حال الجد والهزل في الطلاق لا يوجب تساوي حال الإكراه والطوع فيه لأن الكفر يستوي حكم جده وهزله ولم يستو حال الإكراه والطوع فيه قيل له نحن لم نقل إن كل ما يستوي جده وهزله يستوي حال الإكراه والطوع فيه وإنما قلنا إنه لما سوى النبي ص - بين الجاد والهازل في الطلاق علمنا أنه لا اعتبار فيه بالقصد للإيقاع بعد وجود القصد منه إلى القول فاستدللنا بذلك على أنه لا اعتبار فيه للقصد للإيقاع بعد وجود لفظ الإيقاع من مكلف وأما الكفر فإنما يتعلق حكمه بالقصد لا بالقول ألا ترى أن من قصد إلى الجد بالكفر أو الهزل إنه يكفر بذلك قبل أن يلفظ به وأن القاصد إلى إيقاع الطلاق لا يقع طلاقه إلا باللفظ ويبين لك الفرق بينهما أن الناسي إذا تلفظ بالطلاق وقع طلاقه ولا يصير كافرا بلفظ الكفر على وجه النسيان وكذلك من غلط بسبق لسانه بالكفر لم يكفر ولو سبق لسانه بالطلاق طلقت امرأته فهذا يبين الفرق بين الأمرين وقد روي عن علي وعمر وسعيد بن المسيب وشريح وإبراهيم النخعي والزهري وقتادة قالوا طلاق المكره جائز وروي عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير والحسن وعطاء وعكرمة وطاوس وجابر بن زيد قالوا طلاق المكره لا يجوز وروى سفيان عن حصين عن الشعبي قال إذا أكرهه السلطان على الطلاق فهو جائز وإن أكرهه غيره لم يجز وقال أصحابنا فيمن أكره بالقتل وتلف بعض الأعضاء على شرب الخمر أو أكل الميتة لم يسعه أن لا يأكل ولا يشرب وإن لم يفعل حتى قتل كان آثما لأن الله تعالى قد أباح ذلك في حال الضرورة عند الخوف على النفس فقال إلا ما اضطررتم إليه ومن لم يأكل الميتة عند الضرورة حتى مات جوعا كان آثما بمنزلة تارك أكل الخبز حتى يموت وليس ذلك بمنزلة الإكراه على الكفر في أن تارك إعطاء التقية فيه أفضل لأن أكل الميتة وشرب الخمر تحريمه من طريق السمع فمتى أباحه السمع فقد زال الحظر وعاد إلى حكم سائر المباحات وإظهار الكفر محظور