إنه لم يجبهم لأن المصلحة في أن يوكلوا إلى ما في عقولهم من الدلالة عليها للإرتياض باستخراج الفائدة وروي في كتابهم أنه إن أجاب عن الروح فليس بنبي فلم يجبهم الله D مصداقا لما في كتابهم والروح قد يسمى به أشياء منها القرآن قال الله تعالى وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا سماه روحا تشبيها بروح الحيوان الذي به يحيى والروح الأمين جبريل وعيسى بن مريم سمي روحا على نحو ما سمي به من القرآن وقوله قل الروح من أمر ربي أي من الأمر الذي يعلمه ربي وقوله تعالى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا يعني ما أعطيتم من العلم المنصوص عليه إلا قليلا من كثير بحسب حاجتكم إليه فالروح من المتروك الذي لا يصلح النص عليه للمصلحة وقد دلت هذه الآية على جواز ترك جواب السائل عن بعض ما يسئل عنه لما فيه من المصلحة في استعمال الفكر والتدبر والإستخراج وهذا في السائل الذي يكون من أهل النظر واستخراج المعاني فأما إن كان مستفتيا قد بلي بحادثة احتاج إلى معرفة حكمها وليس من أهل النظر فعلى العالم بحكمها أن يجيبه عنها بما هو حكم الله عنده قوله تعالى قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن الآية فيه الدلالة على إعجاز القرآن فمن الناس من يقول إعجازه في النظم على حياله وفي المعاني وترتيبها على حياله ويستدل على ذلك بتحديه في هذه الآية العرب والعجم والجن والإنس ومعلوم أن العجم لا يتحدون من طريق النظم فوجب أن يكون التحدي لهم من جهة المعاني وترتيبها على هذا النظام دون نظم الألفاظ ومنهم من يأبى أن يكون إعجازه إلا من جهة نظم الألفاظ والبلاغة في العبادة فإنه يقول إن إعجاز القرآن من وجوه كثيرة منها حسن النظم وجودة البلاغة في اللفظ والإختصار وجمع المعاني الكثيرة في الألفاظ اليسيرة مع تعريه من أن يكون فيه لفظ مسخوط ومعنى مدخول ولا تناقض ولا اختلاف تضاد وجميعه في هذه الوجوه جار على منهاج واحد وكلام العباد لا يخلو إذا طال من أن يكون فيه الألفاظ الساقطة والمعاني الفاسدة والتناقض في المعاني وهذه المعاني التي ذكرنا من عيوب الكلام موجودة في كلام الناس من أهل سائر اللغات لا يختص باللغة العربية دون غيرها فجائز أن يكون التحدي واقعا للعجم بمثل هذه المعاني في الإتيان بها عارية مما يعيبها ويهجنها من الوجوه التي ذكرناها ومن جهة أن الفصاحة لا تختص بها لغة العرب دون سائر اللغات وإن كانت