ونحو ذلك من أقسام الكلام والتحدي بتمني الموت إنما توجه إلى العبارة التي في لغتهم إنها تمن والوجه الآخر أنه يستحيل أن يتحداهم عند الحاجة والتكذيب والتوقيف على علمهم بصحة نبوته وبهتهم ومكابرتهم في أمره فيتحداهم بأن يتمنوا ذلك بقلوبهم مع علم الجميع بأن التحدي بالضمير لا يعجز عنه أحد فلا يدل على صحة مقالة ولا فسادها وأن المتحدي بذلك يمكنه أن يقول قد تمنيت بقلبي ذلك ولا يمكن خصمه إقامة الدليل على كذبه وأيضا فلو انصرف ذلك إلى التمني بالقلب دون العبارة باللسان لقالوا قد تمنينا ذلك بقلوبنا فكانوا مساوين له فيه ويسقط بذلك دلالته على كذبهم وعلى صحة نبوته فلما لم يقولوا ذلك لأنهم لو قالوه لنقل كما لو عارضوا القرآن بأي كلام كان لقل فعلم أن التحدي وقع بالتمني باللفظ والعبارة دون الضمير والاعتقاد .
باب السجود وحكم الساحر .
قال الله تعالى واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان إلى آخر القصة قال أبو بكر الواجب أن نقدم القول في السحر لخفائه على كثير من أهل العلم فضلا عن العامة ثم نعقبه بالكلام في حكمه في مقتضى الآية في المعاني والأحكام فنقول إن أهل اللغة يذكرون أن أصله في اللغة لما لطف وخفى سببه والسحر عندهم بالفتح هو الغذاء ولطف مجاريه قال لبيد ... أرنا موضعين لأمر غيب ... ونسحر بالطعام وبالشراب ... .
قيل فيه وجهان نعلل ونخدع كالمسحور والمخدوع والآخر نغذى وأي الوجهين كان فمعناه الخفاء وقال آخر ... فإن تسألينا فيم نحن فإننا ... عصافير من هذا الأنام المسحر ... .
وهذا البيت يحتمل من المعنى ما احتمله الأول أيضا أنه أراد بالمسحر أنه ذو سحر والسحر الرئة وما يتعلق بالحلقوم وهذا يرجع إلى معنى الخفاء ومنه قول عائشة توفي رسول الله ص - بين سحري ونحري وقوله تعالى إنما أنت من المسحرين يعني من المخلوق الذي يطعم ويسقى ويدل عليه قوله تعالى وما أنت إلا بشر مثلنا وكقوله تعالى ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ويحتمل أنه ذو سحر مثلنا وإنما يذكر السحر في مثل هذه المواضع لضعف هذه الأجساد ولطافتها ورقتها وبها مع ذلك قوام