ثم لا يخلو بعد ذلك قوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن من أن يكون عموما في سائر الأمهات مطلقات كن أو غير مطلقات أو أن يكون معطوفا على ما تقدم ذكره من المطلقات مقصور الحكم عليهن فإن كان المراد سائر الأمهات المطلقات منهن والمزوجات فإن النفقة الواجبة للمزوجات منهن هي نفقة الزوجية وكسوتها لا للرضاع لأنها لا تستحق نفقة الرضاع مع بقاء الزوجية فتجتمع لها نفقتان إحداهما للزوجية والأخرى للرضاع وإن كانت مطلقة فنققة الرضاع أيضا مستحقة بظاهر الآية لأنه أوجبها بالرضاع وليست في هذه الحال زوجة ولا معتدة منه لأنه يكون معطوفا على قوله تعالى وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن فتكون منقضية العدة بوضع الحمل وتكون النفقة المستحقة أجرة الرضاع وجائز أن يكون طلقها بعد الولادة فتكون عليها العدة بالحيض وقد اختلفت الرواية من أصحابنا في وجوب نفقة الرضاع ونفقة العدة معا ففي إحدى الروايتين أنهما تستحقهما معا وفي الأخرى أنها لا تستحق للرضاع شيئا مع نفقة العدة فقد حوت الآية الدلالة على معنيين أحدهما أن الأم أحق برضاع ولدها في الحولين وأنه ليس للأب أن يسترضع له غيرها إذا رضيت بأن ترضعه والثاني أن الذي يلزم الأب في نفقة الرضاع إنما هو سنتان وفي الآية دلالة على أن الأب لا يشارك في نفقة الرضاع لأن الله تعالى أوجب هذه النفقة على الأب للأم وهما جميعا وارثان ثم جعل الأب أولى بإلزام ذلك من الأم مع اشتراكهما في الميراث فصار ذلك أصلا في اختصاص الأب بإلزام النفقة دون غيره كذلك حكمه في سائر ما يلزمه من نفقة الأولاد الصغار والكبار الزمنى يختص هو بإيجابه عليه دون مشاركة غيره فيه لدلالة الآية عليه وقوله تعالى رزقهن وكسوتهن بالمعروف يقتضي وجوب النفقة والكسوة لها في حال الزوجية لشمول الآية لسائر الوالدات من الزوجات والمطلقات وقوله تعالى بالمعروف يدل على أن الواجب من النفقة والكسوة هو على قدر حال الرجل في إعساره ويساره إذ ليس من المعروف إلزام المعسر أكثر مما يقدر عليه ويمكنه ولا إلزام الموسر الشيء الطفيف ويدل أيضا على أنها على مقدار الكفاية مع اعتبار حال الزوج وقد بين ذلك بقوله عقيب ذلك لا تكلف نفس إلا وسعها فإذا اشتطت المرأة وجلبت من النفقة أكثر من المعتاد