وإن المولى أملك بذلك منها وقوله تعالى ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء فنفي ملكه نفيا عاما وفيه الدلالة على أن الأمة لا تستحق مهرها ولا تملكه والوجه الآخر أن يكون أضاف الإعطاء إليهن والمراد المولى كما لو تزوج صبية صغيرة أو أمة صغيرة بإذن الأب والمولى جاز أن يقال أعطهما مهريهما ويكون المراد إعطاء الأب أو المولى ألا ترى أنه يصح أن يقال لمن عليه دين ليتيم قد مطله به أنه مانع لليتيم حقه وإن كان اليتيم لا يستحق قبضه ويقال أعط اليتيم حقه وقال تعالى وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل وقد انتظم ذلك الصغار والكبار من أهل هذه الأصناف وإعطاء الصغار إنما يكون بإعطاء أوليائهم فكذلك جائز أن يكون المراد بقوله وآتوهن إيتاء من يستحق ذلك من مواليهن .
وزعم بعض أصحاب مالك أن الأمة هي المستحقة لقبض مهرها وأن المولى إذا آجرها للخدمة كان هو المستحق للأجر دونها واحتج للمهر بقوله تعالى وآتوهن أجورهن وقد بينا وجه ذلك ومعناه وعلى أنه إن كان المهر يجب لها لأنه بدل بضعها فكذلك يجب أن تكون الأجرة لها لأنه بدل منافعها ومن حيث كان المولى هو المالك لمنافعها كما كان مالكا لبضعها فمن استحق الأجرة دونها فواجب أن يستحق قبض المهر دونها لأنه بدل ملك المولى لا ملكها لأنها لا تملك منافع بضعها ولا منافع بدنها والمولى هو العاقد في الحالين وبه تمت الإجارة والنكاح فلا فرق بينهما .
وحكى هذا القائل أن بعض العراقيين أجاز أن يزوج المولى أمته عبده بغير صداق وهذا خلاف الكتاب زعم .
قال أبو بكر ما أشد إقدام مخالفينا على الدعاوى على الكتاب والسنة ومن راعى كلامه وتفقد ألفاظه قلت دعاويه بما لا سبيل له إلى إثباته فإن كان هذا القائل إنما أراد أنهم أجازوا أن يزوج أمته عبده بغير تسمية مهر فإن كتاب الله تعالى قد حكم بجواز ذلك في قوله لا جناح عليكم إن طلقتم النساء مالم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة فحكم بصحة الطلاق في نكاح لا مهر فيه مسمى فدعواه أن ذلك خلاف الكتاب قد أكذبها الكتاب وإن كان مراده أنهم قالوا إنه لا يثبت مهر ويستبيح بضعها بغير بدل فهذا مالا نعلم أحدا من العراقيين قاله فحصل هذا القائل على معنيين باطلين إحداهما دعواه على الكتاب وقد بينا أن الكتاب بخلاف ما قال والثاني دعواه على بعض العراقيين ولم يقل أحد منهم ذلك بل قولهم في ذلك أنه إذا تزوج أمته من عبده وجب لها