" فهو لكم " جزاء الشرط الذي هو قوله : " كا سألتكم من أجر " تقديره : أي شيء سألتكم من أجر فهو لكم كقوله تعالى : " ما يفتح الله للناس من رحمة " فاطر : 2 وفيه معنيان أحدهما : نفي مسألة الأجر رأسا كما يقول الرجل لصاحبه : إن أعطيتني شيئا فخذه وهو يعلم أنه لم يعطه شيئا ولكنه يريد به البت ؛ لتعلقه الأخذ بما لم يكن . والثاني : أن يريد بالأجر ما أراد في قوله تعالى : " قل ما أسأسألكم عليه م أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا " الفرقان : 57 وفي قوله : " قل لا أسألكم عليه من أجر إلا المودة في القربى " الشورى : 23 لأن اتخاذ السبيل إلى الله نصيبهم وما فيه نفعهم وكذلك المودة في القرابة لأن القرابة قد انتظمته وإياهم " على كل شئ شهيد " حفيظ مهيمن يعلم أنى لا أطلب الأجر على نصيحتكم ودعائكم إليه إلا منه ولا أطمع منكم في شيء .
" قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب " القذف والرمي : تزجيه السهم ونحوه بدفع واعتماد ويستعاران من تحقيقتهما لمعنى الإلقاء ومنه قوله تعالى : " وقذف في قلوبهم الرعب " الأحزاب : 26 ، الحشر : 2 ، " أن اقذفيه في التابوت " طه : 39 ومعنى " يقذف بالحق " يلقيه وينزله إلى أنبيائه . أو يرمي به الباطل فيدمغه ويزهقه " علام الغيوب " رفع محمول على محل إن واسمها أو على المستكين في يقذف أو هو خبر مبتدأ محذوف . وقرئ : بالنصب صفة لربي أو على المدح . وقرئ : الغيوب بالحركات الثلاث فالغيوب كالبيوت . والغيوب كالصبور وهو الأمر الذي غاب وخفي جدا .
" قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد " والحي إما أن يبدئ فعلا أو يعيده فإذا هلك لم يبق له إبداء ولا إعادة فجعلوا قولهم : لا يبدئ ولا يعيد مثلا في الهلاك . ومنه قول عبيد : .
أقفر من أهله عبيد ... فاليوم لا يبدي ولا يعيد .
والمعنى : جاء الحق وهلك الباطل كقوله تعالى : " جاء الحق وزهق الباطل " الإسراء : 81 وعن ابن مسعود Bه : دخل النبي A مكة وحول الكعبة ثلثمائة وستون صنما فجعل يطعنها بعود نبعة ويقول : " جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا " الإسراء : 81 ، " جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد " . والحق : القرآن . وقيل : الإسلام . وقيل : السيف . وقيل : الباطل إبليس لعنه الله أي : ما ينشئ خلقا ولا يعيده المنشئ والباعث : هو الله تعالى . وعن الحسن : لا يبدئ لأهله خيرا ولا يعيده أي : لا ينفعهم في الدنيا والآخرة . وقال الزجاج : أي شيء ينشيء إبليس ويعيده فجعله للإستفهام . وقيل للشيطان : الباطل ؛ لأنه صاحب الباطل ؛ أو لأنه هالك كما قيل الشيطان من شاط إذا هلك .
" قل إن ضللت فإنما أضل على مفسي وإن اهتديت فبما يوحى إلى ربي إنه سميع قريب " قرئ : ضللت أضل بفتح العين مع كسرها . وضللت أضل بكسرها مع فتحها وهم لغتان نحو ظللت أظل . وظللت أظل وقرئ : إضل بكسر الهمزة مع فتح العين . فإن قلت : أين التقابل بين قوله : " فإنما أضل على نفسي " وقوله : " يوحى إلى ربي " وإنما كان يستقيم أن يقال : فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فإنما اهتدى لها كقوله تعالى : " من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها " فصلت : 46 فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها . أو يقال : فإنما أضل بنفسي . قلت : هما نتقابلان من جهة المعنى ؛ لأن النفس كل ما عليها فهو بها أعني : أن كل ما هو وبال عليها وضار لها فهو بها وبسببها : لأن الأمارة بالسوء وما لها مما ينفعها فبهداية ربها وتوفيقه وهذا حكم عام لكل مكلف وإنما أمر رسوله صلى اللهعليه وسلم أن يسنده إلى نفسه ؛ لأن الرسول إذا الرسول إذا دخل تحته مع جلالة محله وسداد طريقته كان غيره أولى به " إنه سميع قريب " يدرك قول كل ضال ومهتد وفعله لا يخفى عليه منهما شيء .
" ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب "