بكفي كان من أرمى البشر مقام معلوم في العبادة والانتهاء إلى أمر الله مقصور عليه لا يتجاوزه كما روى : فمنهم راكع لا يقيم صلبه وساجد لا يرفع رأسه " لنحن الصفون " نصف أقدامنا في الصلاة أو أجنحتنا في الهواء . منتظرين ما نؤمر . وقيل : نصف أجنحتنا حول العرش داعين للمؤمنين . وقيل : إن المسلمين إنما اصطفوا في الصلاة منذ نزلت هذه الآية . وليس يصطف أحد من أهل الملل في صلاتهم غير المسلمين " المسبحون " أي المنزهون أو المصلون .
والوجه أن يكون هذا وما قبله من قوله : " سبحن الله عما يصفون " الصافات : 159 ، من كلام الملائكة حتى يتصل بذكرهم في قوله : " ولقد علمت الجنة " الصافات : 158 كأنه قيل : ولقد علم الملائكة وشهدوا أن المشركين مفترون عليهم في مناسبة رب العزة وقالوا : سبحان الله فنزهوه عن ذلك واستثنوا عباد الله المخلصين وبرؤهم منه وقالوا للكفرة فإذا صح ذلك فإنكم وآلهتكم لا تقدرون أن تفتنوا على الله أحدا من خلقه وتضلوه إلا من كان مثلكم ممن علم الله - لكفرهم لا لتقديره وإرادته تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا - أنهم من أهل النار وكيف نكون مناسبين لرب العزة ويجمعنا وإياه جنسية واحدة . وما نحن إلا عبيد أذلاء بين يديه لكل منا مقام من الطاعة لا يستطيع أن يزل عنه ظفرا خشوعا لعظمته وتواضعا لجلاله ونحن الصافون أقدامنا لعبادته وأجنحتنا مذعنين خاضعين مسبحين ممجدين وكما يجب على العباد لربهم . وقيل : هو من قول رسول الله A يعني . وما من المسلمين أحد إلا له مقام معلوم يوم القيامة على قدر عمله من قوله : " عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا " الإسراء : 179 ثم ذكر أعمالهم وأنهم هم الذين يصطفون في الصلاة يسبحون الله وينزهونه مما يضيف إليه من لا يعرفه مما لا يجوز عليه . " وإن كانوا ليقولون لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين فكفروا به فسوف يعلمون " هم مشركو قريش كانوا يقولون : " لو أن عندنا ذكرا " أي كتابا " من " كتب " الأولين " الذين نزل عليهم التوراة والإنجيل لأخلصنا العبادة لله ولما كذبنا كما كذبوا ولما خالفنا كما خالفوا فجاءهم الذكر الذي هو سيد الأذكار والكتاب الذي معجز من بين الكتب فكفروا به . ونحوه " فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا " فاطر : 42 ، فسوف يعلمون مغبة تكذيبهم وما يحل بهم من الإنتقام