" سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم . له ملك السماوات والأرض يحي ويميت وهو على كل شيء قدير . هو الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم . هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير . له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور . يولج اليل في النهار ويولج النهار في اليل وهو عليم بذات الصدور . " جاء في بعض الفواتح " سبح " على لفظ الماضي وفي بعضها على لفظ المضارع وكل واحد منهما معناه : أن من شأن من أسند إليه التسبيح أن يسبحه وذلك هجيراه وديدنه وقد عدى هذا الفعل باللام تارة وبنفسه أخرى في قوله تعالى : " وتسبحوه " الفتح : 9 وأصله : التعدي بنفسه لأن معنى سبحته : بعدته عن السوء منقول من سبح إذا ذهب وبعد فاللام لا تخلو إما أن تكون مثل اللام في : نصحته ونصحت له وإما أن يراد بسبح لله : أحدث التسبيح لأجل الله ولوجهه خالصا " ما في السماوات والأرض " ما يتأتى منه التسبيح ويصح . فإن قلت : ما محل " يحي " ؟ قلت : يجوز أن لا يكون مرفوعا على : وهو يحيي ويميت ومنصوبا حالا من المجرور في " له " والجار عاملا فيها . ومعناه : يحيي النظف والبيض والموتى يوم القيامة ويميت الأحياء " هو الأول " هو القديم الذي كان قبل كل شيء " والأخر " الذي يبقى بعد هلاك كل شيء " والظاهر " بالأدلة الدالة عليه " والباطن " لكونه غير مدرك بالحواس . فإن قلت : فما معنى الواو ؟ قلت الواو الأولى معناها الدلالة على أنه الجامع بين الصفتين الأولية والآخرية والثالثة على أنه الجامع بين الظهور والخفاء . وأما الوسطى فعلى أنه الجامع بين مجموع الصفتين الأوليين ومجموع الصفتين الآخريين فهو المستمر الموجود في جميع الأوقات الماضية والآتية وهو في جميعها ظاهر وباطن : جامع للظهور بالأدلة والخفاء فلا يدرك بالحواس . وفي هذا حجة على من جوز إدراكه في الآخرة بالحاسة . وقيل : الظاهر العالي على كل شيء الغالب له من ظهر عليه إذا علاه وغلبه . والباطن الذي بطن كل شيء أي علم باطنه : وليس بذاك مع العدول عن الظاهر المفهوم .
" أمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين أمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير . وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين . " " مستخلفين فيه " يعني أن الأموال التي في أيديكم إنما هي أموال الله بخلقه وإنشائه لها وإنما مولكم إياها وخولكم إياها وخولكم الاستمتاع بها وجعلكم خلفاء في التصرف فيها فليست هي بأموالكم في الحقيقة . وما أنتم فيها إلا بمنزلة الوكلاء والنواب فأنفقوا منها في حقوق الله وليهن عليكم الإنفاق منها كما يهون على الرجل النفقة من مال غيره إذا أذن له فيه . أو جعلكم مستخلفين ممن كان قبلكم فيما في أيديكم : بتوريثه إياكم فاعتبروا بحالهم حيث انتقل منهم إليكم وسينقل منكم إلى من بعدكم ؛ فلا تبخلوا به وانفعوا بالإنفاق منها أنفسكم " لا تؤمنون " حال من معنى الفعل في مالكم كما تقول : مالك قائما بمعنى : ما تصنع قائما أي : وما لكم كافرين بالله . والواو في " والرسول يدعوكم " واو الحال فهما حالان متداخلتان . وقرئ : " وما لكم لا تؤمنون بالله ورسوله والرسول يدعوكم " والمعنى : وأي عذر لكم في ترك الإيمان والرسول يدعوكم إليه وينبهكم عليه ويتلو عليكم الكتاب الناطق بالبراهين والحجج وقبل ذلك قد أخذ الله ميثاقكم بالإيمان : حيث ركب فيكم العقول ونصب لكم الأدلة ومكنكم من النظر وأزاح عللكم فإذ لم تبق لكم علة بعد أدلة العقول وتنبيه الرسول فما لكم لا تؤمنون " إن كنتم مؤمنين " لموجب ما ؛ فإن هذا الموجب لا مزيد عليه . وقرئ : " أخذ ميثاقكم " على البناء للفاعل وهو الله D .
" هو الذي ينزل على عبده أيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرءوف رحيم . " " ليخرجكم " الله بآياته من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان . أو ليخرجكم الرسول بدعوته " لرءوف " وقرئ : " لرؤف "