( قل وروح القدس معك ) . ختم السورة بآية ناطقة بما لا شيء أهيب منه وأهول ولا أنكى لقلوب المتأملين ولا أصدع لأكباد المتدبرين وذلك قوله : " وسيعلم " وما فيه من الوعيد البليغ وقوله " الذين ظلموا " وإطلاقه . وقوله : " أي منقلب ينقلبون " وإبهامه وقد تلاها أبو بكر لعمر Bهما حين عهد إليه : وكان السلف الصالح يتواعظون بها ويتناذرون شدتها . وتفسير الظلم بالكفر تعليل ولأن تخاف فتبلغ الأمن : خير من أن تأمن فتبلغ الخوف . وقرأ ابن عباس : ( أي منفلت ينفلتون ) ومعناها : إن الذين ظلموا يطمعون أن ينفلتوا من عذاب الله وسيعلمون أن ليس لهم وجه من وجوه الانفلات وهو النجاة : اللهم اجعلنا ممن جعل هذه الآية بين عينيه فلم يغفل عنها ؛ وعلم أن من عمل سيئة فهو من الذين ظلموا والله أعلم بالصواب .
قال رسول الله A : ( من قرأ سورة الشعراء كان له من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بنوح وكذب به وهود وشعيب وصالح وإبراهيم وبعدد من كذب بعيسى وصدق بمحمد عليهم الصلاة والسلام ) .
سورة النمل .
مكية وهي ثلاث وتسعون آية .
وقيل أربع وتسعون .
بسم الله الرحمن الرحيم .
" طس تلك ءايات القرءان وكتاب مبين هدى وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالأخرة هم يوقنون " " طس " قرئ : بالتفخيم والإمالة و " تلك " إشارة إلى آيات السورة والكتاب المبين : إما اللوح وإبانته : أنه قد خط فيه كل ما هو كائن فهو يبينه للناظرين فيه إبانة . وإما السورة . وإما القرآن وإبانتهما : أنهما يبينان ما أودعاه من العلوم والحكم والشرائع وأن إعجازهما ظاهر مكشوف وإضافة الآيات إلى القرآن والكتاب المبين : على سبيل التفخيم لها والتعظيم لأن المضاف إلى العظيم يعظم بالإضافة إليه . فإن قلت : لم نكر الكتاب المبين ؟ قلت : ليبهم بالتنكير فيكون أفخم له كقوله تعالى : " في مقعد صدق عند مليك مقتدر " القمر : 55 . فإن قلت : ما وجه عطفه على القرآن إذا أريد به القرآن ؟ قلت : كما تعطف إحدى الصفتين على الأخرى في نحو قولك : هذا فعل السخي والجواد الكريم لأن القرآن هو المنزل المبارك المصدق لما بين يديه فكان حكمه حكم الصفات المستقلة بالمدح فكأنه قيل : تلك الآيات آيات المنزل المبارك آي كتاب مبين . وقرأ ابن أبي عبلة : ( وكتاب مبين ) بالرفع على تقدير : وآيات كتاب مبين فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه . فإن قلت : ما الفرق بين هذا وبين قوله : " الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين " الحجر : 1 ؟ قلت : لا فرق بينهما إلا ما بين المعطوف والمعطوف عليه من التقدم والتأخر وذلك على ضربين : ضرب جار مجرى التثنية لا يترجح فيه جانب على جانب وضرب فيه ترجح فالأول نحو قوله تعالى : " وقولوا حطة " البقرة : 58 ، الأعراف : 161 ، " وادخلوا الباب سجدا " البقرة : 58 ، الأعراف : 161 ومنه ما نحن بصدده . والثاني : نحو قوله تعالى : " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم " آل عمران : 18 ، " هدى وبشرى " في محل النصب أو الرفع فالنصب على الحال أي : هادية ومبشرة ؛ والعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة والرفع على ثلاثة أوجه على : هي هدى وبشرى وعلى البدل من الآيات وعلى أن يكون خبرا بعد خبر أي : جمعت أنها آيات وأنها هدى وبشرى . والمعنى في كونها هدى للمؤمنين : أنها زائدة في هداهم . قال الله تعالى : " فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا " التوبة : 124 فإن قلت : " وهم بالأخرة هم يوقنون " كيف يتصل بما قبله ؟ قلت : يحتمل أن يكون من جملة صلة الموصول ويحتمل أن تتم الصلة عنده ويكون جملة اعتراضية كأنه قيل : وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة : هم الموقنون بالآخرة وهو الوجه . ويدل عليه أنه عقد جملة ابتدائية وكرر فيها المبتدأ الذي هو " وهم " حتى صار معناها : وما يوقن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح لأن خوف العاقبة يحملهم على تحمل المشاق .
إن الذين لا يؤمنون بالأخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الأخرة هم الأخسرون "