أما الذال : .
فقد تقدم الكلام على أنها تخرج من مخرج الثاء وهو المخرج العاشر من الفم وهي مجهورة رخوة منفتحة مستفلة وهي أقوى من الثاء بالجهر ولولا الجهر الذي في الذال لكانت ثاء ولولا الهمس الذي في الثاء لكانت ذالا .
وإذا أتى بعد الذال ألف نطقت بها مرققة كقوله : { ذلك } و { ذاق } وشبه ومتى لم يتحفظ بترقيق الذال دخلها التفخيم فيؤديها إلى الإطباق فتصير عند ذلك ظاء .
وإذا سكنت وأتى بعدها ظاء فإدغامها فيها لازم وذلك في نحو قوله : { إذ ظلموا } في النساء و { إذ ظلمتم } في الزخرف ليس في القرآن غيرهما فاخرج من لفظ الهمزة إلى لفظ الظاء المشددة وأن أتى بعدها حرف مهموس فبين جهرها وإلا عادت ثاء كقوله : { واذكروا إذ كنتم } .
وإن أتى بعدها نون كقوله : { فنبذناه } { وإذ نتقنا } فلا بد من إظهارها وإلا ربما اندغمت في النون .
وإذا التقت بالراء فلا بد من بيانها وتخليص اللفظ بها رقيقة وبالراء بعدها مفخمة فلا تتساهل في ذلك فربما انقلبت الذال ظاء إذا فخمت الراء نحو قوله : { ذرة } و { ذراعا } و { أنذرتكم } .
وإذا أتى بعدها قاف فلا بد من ترقيقها وإلا صارت ظاء نحو قوله : { ذاقوا } و { الأذقان } .
فلا بد للقارئ أن يأتي بالذال مستفلة منفتحة وبالظاء مستعلية مطبقة وذاك نحو قوله : { المنذرين } و { المنظرين } و { ذللنا } و { ظللنا } و { محذورا } و { محظورا } وما أشبه ذلك .
وإذا تكررت الذال وجب بيان كل منهما نحو { ذي الذكر } وقد اجتمع هنا ثلاث ذالات لأن اللام قلبت ذالا توصلا إلى الإدغام وبيان كل واحدة منهن لازم .
وإياك أن تبالغ في ترقيق الذال فتجعلها ثاء كما يفعل بعض الناس .
وأما الراء : فقد تقدم الكلام على تخرج من المخرج السابع من مخارج الفم وهو ما بين طرف اللسان [ وفويق الثناين العليا وهي أدخل في طرف اللسان ] قليلا من النون وفيها انحراف إلى مخرج اللام وهي مجهورة بين الشدة والرخاوة منفتحة مستفلة متكررة ضارعت بتفخيمها الحروف المستعلية .
قال سيبويه : والراء إذا تكلمت بها خرجت كأنها مضاعفة وذلك لما فيها من التكرير الذي انفردت بها دون سائر الحروف .
وإذا أتت مشددة وجب على القارئ التحفظ من تكريرها ويؤديها بيسر من غير تكرير ولا عسر فغالب من لا معرفة له يقع في ذلك وهو خطأ ولحن وذلك نحو قوله : { وخر موسى } و { أشد حرا } و { مرة } و { الرحمن الرحيم } ونحو ذلك وإذا تكررت الراء والأولى مشددة وجب التحفظ على إظهارها وإخفاء تكريرها كقوله : { محررا } .
وأما ترقيقها وتفخيمها فقد أحكم القراء ذلك في كتبهم فلذلك أضربنا عنه هنا ولا بد من تفخيمها إذا كان بعدها ألف واحذر تفخيم الألف معها .
وأما الزاي : فتقدم الكلام على أنها تخرج من المخرج التاسع من الفم مما يلي طرف اللسان وفويق الثنايا السفلى وهي مهجورة رخوة منفتحة مستفلة صفيرية .
فإذا سكنت وجب بيانها مما بعدها وإشباع لفظها وسواء لقيت حرفا مهموسا أو مهجورا نحو قوله : { ما كنزتم } و { تزدري } و { أزكى } و { مزجاة } و { ليزلقونك } و { وزرك } وشبه ذلك .
وإذا تكررت الزاي وجب بيانها أيضا نحو قوله : { فعززنا بثالث } لثقل التكرير ولا بد من ترقيقها إذا أتى بعدها ألف كقوله : { زادوكم } و { الزانية } ونحو ذلك .
وأما السين : فتقدم الكلام على مخرجها وهو مخرج الزاي وهي مهموسة رخوة منفتحة مستفلة صفيرية ولولا الهمس الذي فيها لكانت زايا ولولا الجهر الذي في الزاي لكانت سينا فاختلافهما في السمع هو بالجهر الهمس .
وإذا أتى بعد السين حرف من حروف الإطباق سواء كانت ساكنة أو متحركة وجب بيانها في رفق وتؤدة وإلا فصارت صادا بسبب المجاورة لأن مخرجهما واحد ولولا التسفل والانفتاح اللذان في السين لكانت [ صادا ولولا الاستعلاء والإطباق اللذان في الصاد لكانت ] سينا وينبغي أن يبين صفيرها أكثر من الصاد لأن الصاد بين بالإطباق نحو { بسطة } و { مسطورا } و { تسطع } و { أقسط } فتلفظ بها في حالي سكونها وتحريكها برفق ورقة .
وإذا سكنت وأتى بعدها جيم أو تاء فبينها نحو { مستقيم } و { مسجد } ونحو ذلك ولو لم تبينها لالتبست بالزاي للمجاورة واحذر أن تحركها عند بيانك صفيرها .
وإذا أتى لفظ هو بالسين يشبه لفظا هو بالصاد وجب بيان كل وإلا التبس نحو { أسروا } و { أصروا } و { يسحبون } و { يصحبون } و { قسمنا } و { قصمنا } فلا بد من بيان صفيرها في استفالها .
وأما الشين : فتقدم الكلام على أنها تخرج من المخرج الثالث من الفم بعد الكاف من وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك وهي مهموسة رخوة منفتحة مستفلة متفشية وينبغي أن يبين التفشي الذي فيها عند النطق بها .
وإذا كانت مشددة فلا بد من إشباع تفشيها وتخليصها كقوله : { اشتراه } و { يشربون } و { اشدد } وإذا وقفت على نحو { الرشد } فلا بد من بيان تفشيها وإلا صارت كالجيم وإن وقع بعدها جيم فلا بد من بيان لفظ الشين وإلا تقرب من لفظ الجيم كقوله : { شجر بينهم } و { شجرة تخرج } ونحو ذلك .
وأما الصاد المهملة : فتقدم الكلام على أنها تخرج من المخرج التاسع من مخارج الفم وهو مخرج الزاي والسين وهي مهموسة رخوة مطبقة مستعلية صفيرية وقد تقدم الكلام على تضخيمها في ذكر الخاء .
وإذا سكنت الصاد وأتى بعدها دال فلا بد من تخليصها وبيان إطباقها واستعلائها وإلا فصارت زايا كقوله : { أصدق } و { يصدر } إلا من مذهبه التشريب وإن أتى بعدها طاء فلا بد أيضا من بيان إطباقها واستعلائها وإلا صارت زايا كقوله : { اصطفى } و { يصطفي } وشبهه وإذا أتى بعدها تاء فلا بد من بيان إطباقها واستعلائها وإلا بادر اللسان إلى جعلها سينا لأن السين أقرب إلى التاء من الصاد إلى التاء كقوله : { ولو حرصت } و { حرصتم } ونحوه .
وأما الضاد : فتقدم الكلام على أنها تخرج من المخرج الرابع من مخارج الفم من أول حافة اللسان وما يليه من الأضراس وهي مهجورة رخوة مطبقة مستعلية مستطيلة .
واعلم أن هذا الحرف ليس من الحروف حرف يعسر على اللسان غيره والناس يتفاضلون في النطق به .
فمنهم من يجعله ظاء مطلقا لأنه يشارك الظاء في صفاتها كلها ويزيد عليها بالاستطالة فلولا الاستطالة واختلاف المخرجين لكانت ظاء وهم أكثر الشاميين وبعض أهل المشرق وهذا لا يجوز في كلام الله تعالى لمخالفة المعنى الذي أراد الله تعالى إذ لو قلنا { الضالين } بالظاء كان معناه الدائمين وهذا خلاف مراد الله تعالى وهو مبطل للصلاة لأن ( الضلال ) هو ضد ( الهدى ) كقوله : { ضل من تدعون إلا إياه } { ولا الضالين } ونحوه وبالظاء هو الدوام كقوله : { ظل وجهه مسودا } وشبهه فمثال الذي يجعل الضاد ظاء في هذا وشبهه كالذي يبدل السين صادا في نحو قوله : { وأسروا النجوى } و { أصروا واستكبروا } فالأول من السر والثاني من الإصرار وقد حكى ابن جني في كتاب التنبيه وغيره أن من العرب من يجعل الضاد ظاء مطلقا في جميع كلامهم وهذه غريب وفيه توسع للعامة .
ومنهم من لا يوصلها إلى مخرجها بل يخرجها دونه ممزوجة بالطاء المهملة لا يقدرون على غير ذلك وهم أكثر المصريين وبعض أهل المغرب .
ومنهم من يخرجها لاما مفخمة وهم الزيالع ومن ضاهاهم .
واعلم أن هذا الحرف خاصة إذا لم يقدر الشخص على إخراجه من مخرجه بطبعه لا يقدر عليه بكلفة ولا بتعليم .
وإذا أتى بعد الضاد حرف إطباق وجب التحفظ بلفظ الضاد لئلا يسبق اللسان إلى ما هو أخف عليه وهو الإدغام كقوله : { فمن اضطر } و { ثم أضطره } .
وإذا سكنت الضاد وأتى بعدها حرف من حروف المعجم فلا بد من المحافظة على بيانها وإلا بادر اللسان إلى ما هو أخف منها نحو قوله : { أفضتم } و { خضتم } و { اخفض جناحك } و { قبضنا } و { فرضنا } و { خضرا } و { نضرة } و { في تضليل } ونحو ذلك .
وإذا تكررت هي أو أتى بعدها ظاء فلا بد من بيان كل واحد منهما وإخراجهما من مخرجها كقوله { يغضضن } و { أنقض ظهرك } و { يعض الظالم } ونحوه .
وإذا أتى بعدها حرف مفخم وغيره فلا بد من بيانها لئلا يبدلها اللسان حرفا من جنس ما بعدها كما تقدم نحو { أرض الله } و { الأرض ذهبا } وشبه ذلك والتفخيم ذكر قبل .
وأما الطاء المهملة : فتقدم الكلام على أنها تخرج من مخرج التاء والدال وهو المخرج الثامن من مخارج الفم وهي من أقوى الحروف لأنها حرف مجهور شديد مطبق مستعل مقلقل إذا سكن وقد تقدم الكلام على تفخيمه .
وإذا تكررت الطاء وجب بيانها لقوتها كقوله : { شططا } وإذا سكنت سواء كان سكونها لازما أو عارضا فلا بد من بيان إطباقها وقلقلتها نحو قوله : { الخطفة } و { الأطفال } و { البطشة } و { الأسباط } و { اختلط } و { القسط } ونحوه في الوقف .
وإذا سكنت وأتى بعدها تاء فادغمها فيها إدغاما غير مستكمل يبقى معه تضخيمها واستعلاؤها لقوة الطاء وضعف التاء نحو : { بسطت } و { أحطت } و { فرطت } لأن أصل الإدغام أن يدغم الأضعف في الأقوى ليصير في مثل قوته وفي مثل هذا عكسه وسوغه القلب لكن الصفة باقية دالة على موصوفها في نحو هذا كالغنة ألا ترى أنك إذا أدغمت التاء في الطاء في نحو { ودت طائفة } لم تبق من لفظها شيئا لأن الإدغام على ما ينبغي أن يكون كاملا في نحو هذا ولولا أنهما من مخرج واحد لم تدغم الطاء فيها فلذلك ضعف الإدغام عن أن يكون مكملا ونظيره إدغام النون الساكنة والتنين في الواو والياء إذا أبقيت الغنة فيكون التشديد متوسطا لأجل إبقاء الغنة قال أبو عمرو الداني : هذا مذهب القراء .
وقد يجوز إدغامها وإدغام صوتها أعني الطاء في التاء كجوازه في إدغام التنوين والنون في الواو والياء مع غنتهما كرواية خلف عن سليم عن حمزة وهو الأقل قال شريح في نهاية الإتقان : من العرب من يبدل التاء طاء ثم يدغم الطاء الأولى فيهان فيقول : { أحط } و { فرط } وهذا مما يجوز في كلام الخلق لا في كلام الخالق .
وإذا كانت الطاء مشددة فلا بد من بيانها نحو { اطيرنا } و { أن يطوف } وإلا مال بها اللسان إلى الرخاوة .
وأما الظاء : فتقدم الكلام على مخرجها وأنها تخرج من مخرج الذال والثاء وهو المخرج العاشر وهي مجهورة رخوة مطبقة مستعلية وتقدم الكلام على تفخيمها .
وإذا سكنت الظاء وأتى بعدها تاء وجب بيانها لئلا تقرب من الإدغام نحو { أوعظت } في الشعراء ولا ثاني له قال مكي : الظاء مظهر بغير اختلاف في ذلك بين القراء وقال الداني في كتاب التحديد له : وقد جاء عن أبي عمرو و الكسائي ما لا يصح في الأداء ولا يؤخذ به في التلاوة وكذا يلزم تخليصه وبيانه ساكنا كان أو متحركا حيث وقع .
وأما العين المهملة : فتقدم الكلام على أنها تخرج من المخرج الثاني من الحلق من قبل مخرج الحاء وهي مجهورة بين الشدة والرخاوة منفتحة مستفلة فإذا لفظت بها فبين جهرها وإلا عادت حاء إذ لولا الجهر وبعض الشدة لكانت حاء كذلك لولا الهمس والرخاوة اللذان في الحاء لكانت عينا .
فإذا وقع بعدها حرف مهموس كقوله : { تعتدوا } و { المعتدين } فبين جهرها وشدتها وكذا إذا وقع بعدها ألف نحو : { العالمين } فلطف العين ورقق الألف وبعض الناس يفخمونه وهو خطأ .
فإذا تكررت فلا بد من بيانها لقوتها وصعوبتها على اللسان كقوله : { ونطبع على } و { فزع عن } وشبهه .
وإذا وقع بعد العين الساكنة غين وجب بيانها لقرب المخرج ولمبادرة اللفظ على الإدغام نحو { واسمع غير } .
وأما الغين : فتقدم الكلام على أنها تخرج من مخرج الخاء وهو آخر المخرج الثالث من الحلق مما يلي الفم وهي مجهورة رخوة منفتحة مستعلية وتقدم الكلام على تفخيمها .
فإذا لقيت حرفا من حروف الحلق وجب بيانها نحو { ربنا أفرغ علينا } و { أبلغه } وكذلك القاف نحو { لا تزغ قلوبنا } لأن مخرج الغين قريب من مخرج العين قبله والقاف بعده فيخشى أن يبادر اللفظ إلى الإخفاء والإدغام .
وإذا وقع بعد الغين الساكنة شين وجب بيانها لئلا تقرب من لفظ الخاء لاشتراكهما في الهمس والرخاوة كقوله : { يغشى } ونحوه وكذا حكمه مع سائر الحروف نحو { فرغت } و { ضغثا } و { يغفر } و { بغيا } و { أغنى } و { أغلالا } و { ضغثا } و { يغفر } و { بغيا } و { أغنى } و { أغلالا } و { أغطش } ونحو ذلك .
وأما الفاء : فتقدم الكلام على مخرجها من الفم وهو الحادي عشر وهو من أطراف الثنايا العليا وباطن الشفة السفلى وهي مهموسة رخوة منفتحة مستفلة متفشية .
فإذا التقت بالميم أو الواو فلا بد من بيانها لتأففها نحو { تلقف ما } و { لا تخف ولا } ونحو ذلك وإذا تكررت الفاء وجب بيانها سواء كانت في كلمة أو كلمتين كقوله : { يخفف } و { ليستعفف } و { تعرف في } في مذهب المظهر وإذا أتى بعدها ألف فلا بد من ترقيقها .
وأما القاف : .
فتقدم الكلام على أنها تخرج من أول مخارج الفم من جهة الحلق من أقصى اللسان وما فوقه من الحنك الأعلى وهي مجهورة شديدة مستعلية مقلقلة منفتحة وهي قريبة من مخرج الكاف وتقدم الكلام على تفخيمها وينبغي المبالغة فيه .
وإذا سكنت وكان سكونها لازما أو عارضا فلا بد من بيان قلقلتها وإظهار شدتها وإلا مازجت الكاف نحو { يقتلون } و { أقسموا } و { لا تقنطوا } و { اقصد } و { فلا تقهر } و { فاقض } و { الحق } و { فرق } ونحو ذلك ألا ترى أنه لو لم تبين قلقلتها في مثل قوله : { يقتل } صار مثل يكتل وكذا { تقف } مثل تكف وإذا تكررت وجب بيان كل نحو { حق قدره } و { الحق قالوا } .
وإذا وقعت الكاف بعدها أو قبلها وجب بيان كل منهما لغير المدغم نحو { لك قصورا } و { خلق كل شيء } و { خلقكم } وشبه ذلك وفي إدغامها إذا سكنت في الكاف مذهبان : الإدغام الناقص مع إظهار التفخيم والاستعلاء كالطاء في التاء وهذا مذهب أبي محمد مكي وغيره والإدغام الكامل بلا إظهار شيئ فتصير كافا مشددة وهو مذهب الداني ومن والاه قلت : وكلاهما حسن وبالأول أخذ علي المصريون وبالثاني الشاميون واختياري الثاني وفاقا للداني وقياسا على مذهب أبي عمرو [ أعني ابن العلاء البصري .
وأما الكاف : .
فتقدم الكلام على أنها تخرج من المخرج الثامن من مخارج الفم بعد القاف مما يلي الفم وهي مهموسة شديدة منفتحة مستفله .
فإذا أتى بعدها حرف استعلاء وجب التحفظ ببيانها لئلا تلتبس بلفظ القاف كقوله : { كطي السجل } و { كالطود } ونحوه .
وإذا تكررت الكاف من كلمه أو كلمتين فلا بد من بيان كل واحد منهما لئلا يقرب اللفظ من الإدغام لتكلف اللسان بصعوبة التكرير نحو قوله { مناسككم } و { إنك كنت } على مذهب المظهر .
وإذا وقعت الكاف في موضع يجوز أن تبدل منها قاف في بعض اللغات وجب بيان الكاف لئلا تخرج من لغة إلى لغة أخرى نحو قوله : { وإذا السماء كشطت } قرأ ابن مسعود ( قشطت ) بالقاف .
ولا بد من ترقيقها إذا أتى بعدها ألف .
وأما اللام : .
فتقدم الكلام على أنها تخرج من المخرج الخامس من مخارج الفم بعد مخرج الضاد من حافة اللسان فأدناها إلى منتهى طرفه وهي مجهورة بين الشدة والرخاوة منفتحة مستفلة .
فإذا سكنت وأتى بعدها نون في كلمة فلا بد من بيان سكونها نحو { جعلنا } و { قلنا } وإحذر من تحريكها كما يفعله بعض العجم وكذلك أظهرها في نحو قوله : { قل تعالوا } و { قل نعم } .
وما لام التعريف فلا بد من إظهارها عند هذه الحروف : الياء والجيم والحاء والخاء والعين والغين والفاء والقاف والكاف والميم والهاء والواو والياء وإدغامها فيما بقي وقد نظمتها أوائل كلم هذين البيتين فإذا حفظت يفهم أن ما عداها مظهر وهي قولي : .
( واللام للتعريف أدغمها تنل ... ثواب داء زانه ذو شفا ) .
( رماه سهم صائب لحظه ... نائبة ظلم طبيب ضفا ) .
كقوله : التراب الثواب الدار الزاني الذل الشراب الرحمن السماء الصراط الليل النار الظالم الطير الضالين .
فإن قيل لم أدغمت اللام الساكنة في نحو النار والناس وأظهرت في نحو قوله : { قل نعم } وكل منهما واحد ؟ قلت : لأن هذا فعل قد أعل بحذف عينه فلم يعل ثانيا بحذف لامه لئلا يصير في الكلمة إجحاف إذ لم يبق منها إلا حرف واحد و ( آل ) حرف مبني على السكون لم يحذف منه شيئ ولم يعل بشييء فلذلك أدغم ألا ترى أن الكسائي ومن وافقه أدغم اللام من ( هل وبل ) في نحو قوله : { هل تعلم } و { بل نحن } ولم يدغمها في { قل نعم } و { قل تعالوا } .
فإن قيل : قد أجمعوا على إدغام { قل ربي } والعلة موجودة ؟ قلت : لأن الراء حرف مكرر منحرف فيه شدة وثقل يضارع حروف الاستعلاء بتفخيمه واللام ليس كذلك فجذب اللام جذب القوي للضعيف ثم أدغم الضعيف في القوي على الأصل بعد أن قوي بمضارعته بالقلب والراء قائم بتكريره مقام حرفين كالمشددات فاعلم وأما النون فهو أضعف من اللام بالغنة والأصل أن لا يدغم الأقوى في الأضعف ألا ترى أن اللام إذا سكنت كان إدغامها في الراء إجماعا ولا كذلك العكس وكذلك إذا سكنت النون كان إدغامها في اللام إجماعا ولا كذلك العكس وهذان سؤالان لم أر أحدا تعرض إليهما .
وإذا جاورت اللام لاما مغلظة فتعمل في بيانها وتخليصها وإلا فخمت ما لا يجوز تفخيمه كقوله : { جعل الله } و { قال الله } وكذلك إن لاصقها حرف إطباق فبين ترقيقها نحو : { اللطيف } و { ما اختلط } و { لسلطهم } ونحوه ومع ذلك فلا بد من تفخيم اسم ( الله ) تعالى إذا كان قبله ضمة أو فتحة ومن ترقيقه إذا كان قبله كسرة وبعد الإمالة فيها خلاف .
وأما الميم : فتقدم الكلام على أنها تخرج من المخرج الثاني عشر من مخارج الفم من مخرج الباء وهي مجهورة بين الشدة والرخاوة منفتحة مستفلة وهي أخت الباء لأن مخرجهما واحد فلولا الغنة التي في الميم وجريان النفس معها لكانت باء والميم أيضا مؤاخية النون للغنة التي في كل منهما تخرج من الخيشوم وأنهما مجهورتان ولذلك أبدلت العرب إحداهما من الأخرى فقالوا : غين وغيم وقالوا في الغاية : الندى والمدى .
فإذا سكنت الميم وأتى بعدها فاء أو واو فلا بد من إظهارها كقوله : { هم فيها } و { يمدهم في } و { عدهم وما } ونحوه .
وإذا سكنت وأتى بعدها باء فعن أهل الأداء فيها خلاف منهم من يظهرها عندها ومنهم من يخفيها ومنهم من يدغمها وإلى إخفائها ذهب جماعة وهو مذهب ابن مجاهد و ابن بشر وغيرهما وبه قال : [ الداني وإلى إدغامها ذهب ابن المنادي وغيره وقال ] أحمد ابن يعقوب التائب : أجمع القراء على تبيين الميم الساكنة وترك إدغامها إذا لقيها باء في كل القرآن وبه قال مكي .
وبالإخفاء أقول قياسا على مذهب أبي عمرو بن العلاء قال شيخنا ابن الجندي - C - واختلف في الميم الساكنة إذا لقيت باء والصحيح إخفاؤها مطلقا أي سواء كانت أصلية السكون كـ { أم بظاهر } أو عارضة كـ { يعتصم بالله } ومع ذلك فلا بد من ترقيقها وترقيق ما بعدها إذا كان ألفا .
وأما النون : فتقدم الكلام على أنها تخرج من المخرج السادس من مخارج الفم فوق اللام قليلا على الاختلاف الذي ذكرناه قبل وهي مجهورة بين الشدة والرخاوة منفتحة مستفلة فيها غنة إذا سكنت تخرج من الخياشيم من غير مخرج المتحركة وسأفرد لأحكامها إذا سكنت بابا بعد إن شاء الله تعالى والكلام هنا على المتحركة .
فإذا جاء بعدها ألف غير الممالة يجب على القارئ أن يرققها ولا يغلظها كما يفعل بعض الناس وإذا تكررت وجب التحفظ من ترك بيان المثلين وإذا كانت الأولى مشددة كان البيان آكد لاجتماع ثلاث نونات كقوله : { ولتعلمن نبأه } .
وأما قوله تعالى : { ما لك لا تأمنا } فللسبعة فيه وجهان أحدهما الإشارة بالشفتين إلى الحركة بعد الإدغام وعلى هذا يكون إخفاء .
وإذا ألقيت حركة الهمزة على التنوين وحرك بها على مذهب ورش كقوله في سورة يوسف : { من سلطان إن الحكم } لفظ بثلاث نونات متواليات مكسورات .
وأما الهاء : فتقدم الكلام على أنها تخرج من مخرج الهمزة من وسط المخرج الأول من مخارج الحلق بعد مخرج الهمزة وهي مهموسة رخوة منفتحة مستفلة خفية فلولا الهمس والرخاوة اللذان فيها مع شدة الخفاء لكانت همزة ولولا الشدة والجهر اللذان في الهمزة لكانت هاء إذ المخرج واحد ومن أجل ذلك أبدلت العرب من الهاء همزة ومن الهمزة هاء فقالوا : ماء وأصله ماه وأصل ذا موه ثم أعل وأرقت الماء وهرقته وكذا في مواضع والحروف تكون من مخرج واحد وتختلف صفاتها فيختلف لذلك ما يقع في السمع من كل حرف .
ولما كانت الهاء حرفا خفيا وجب أن يتحفظ ببيانها لا سيما إذا تكررت سواء كانت في كلمة أو كلمتين لتكرر الخفاء ولتأتي الإدغام في ذلك لاجتماع المثلين وذلك نحو قوله تعالى : { وجوههم } و { يلههم } و { فيه هدى } و { اعبدوه هذا } ونحو ذلك .
وإذا كانت الهاء لا سيما إذا كان قبلها حرف مجهور كهذا لأن أصله ( يوجهه ) بهاءين وبهما رسم في الأمهات فلما سكنت الهاء الأولى للشرط أدغمت في الثانية وكذا كل هاء مشددة نحو { فمهل } .
وأما قوله تعالى : { ماليه * هلك } فاختلف أهل الأداء في إظهارها وإدغامها والمختار أن لا تدغم هاء السكت في غيرها لعروضها وأن ينوى بها الوقف ومنهم من يأخذ بإدغامها للتماثل وسكون الأول منهما .
وإذا سكنت الهاء وأتى بعدها حرف آخر فلا بد من بيانها لخفائها نحو { يستهزئ } و { عهدا } و { اهتدى } و { العهن } وشبه ذلك .
وإذا وقعت بين ألفين وجب بيانها لاجتماع ثلاثة أحرف خفية كقوله تعالى : { بناها } و { طحاها } ونحوه .
وأما الواو : فتقدم الكلام على أنها تخرج من مخرج الباء والميم وهو المخرج الثاني عشر من بين الشفتين وهي مجهورة رخوة منفتحة مستفلة بين الشدة والرخاوة في قول فأما ما يتعلق بالمد واللين فيها وفي أختيها فسأفرد لذلك بابا بعد إن شاء الله تعالى .
وإذا جاءت الواو مضمومة أو مكسورة وجب بيانها وبيان حركتها لئلا يخالطها لفظ غيرها أو يقصر اللفظ عن إعطائها حقها كقوله : { وجوه } و { تفاوت } و { لا تنسوا الفضل } و { لكل وجهة } .
فإن انضمت ولقيها مثلها كان بيانها آكد لثقلها نحو { وري } .
وإذا سكنت وانضم ما قبلها وأتى بعدها مثلها وجب بيان كل منهما خشية الإدغام لأنه غير جائز وتمكن الواو الأولى لمدها ولينها وذلك نحو { آمنوا وعملوا } و { قاتلوا وقتلوا } فإن انفتح ما قبل الأولى وجب الإدغام وبيان التشديد لأنها صارت في حكم الصحيح فإدغامها واجب كقوله { اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا } .
وإذ أتت الواو مشددة فلا بد من بيان التشديد بقوة من غير تمضيغ ولا رخاوة كقوله : { لووا } و { أفوض } و { عدوا } ونحوه .
وأما الألف : فتقدم الكلام على أنها تخرج من مخرج الهمزة والهاء من أول الحلق وتقدم الكلام على صفاتها وعللها فهو مغن عن الإعادة هنا ولا تكون إلا ساكنة ولا يكون ما قبلها إلا مفتوحا وهو منفرد بأحوال ليست في غيره ويقع زائدا إذا لم ينقلب عن شيء فإن انقلب كان أصليا فينقلب عن واو نحو ( قال وعن ياء نحو ( جاء ) وعن همزة نحو ( سأل ) ويكون عوضا من التنوين المنصوب في حال الوقف .
واحذر تفخيمه إذا أتى حرف من حروف الاستعلاء وقد تقدم الكلام عليه وإذا أتى لام مفخمة فلا بد من ترقيقه نحو ( إن الله ) و ( الصلاة ) و ( الطلاق ) في مذهب ورش فتأتي باللام مغلظة والألف بعدها مرققة وبعض الناس يتبعون الألف اللام وليس يجيد ولا تفخمها إذا أتى بعدها همزة ومددتها كفعل العجم وذلك قبيح .
وأما الياء : فتقدم الكلام على أنها تخرج من مخرج الجيم والشين وهو المخرج الثالث من مخارج الفم وهي مجهورة رخوة منفتحة مستفلة جدا وسيأتي الكلام على مدها .
فإذا سكنت بعد كسر وأتى بعدها مثلها فلا بد من تمكينها وإظهارها وبيان سكون الأولى كقوله : { الذي يوسوس } وإذا جاءت مشددة فلا بد من بيانها وشدتها نحو { إياك } و { عتيا } .
وإذا تكررت وجب بيانها والتحفظ على إظهارها برفق كقوله : { يستحيي } و { البغي يعظكم } و { يحيي } ونحوه وإذا تحركت بالكسر وما قبلها أو بعدها فتحة نحو { ترين } و { معايش } أو انفتحت واكتنافها أي كسرة وفتحة نحو { لا شية } وجب تخفيف الحركة عليها وتسهيل اللفظ بحركتها .
وإذا تكررت وإحداهما مشددة وجب بيانها لثقل التكرير وإلا سقطت الأولى نحو { إن وليي الله } و { العشي يريدون } و { إذا حييتم } ونحو ذلك .
فهذه حروف التجويد بأصولها وفروعها وقد شرحتها وبينت حقائقها ليقاس عليها أشكالها وجميع ذلك مضطر إلى الرياضة في تصحيحه ومحتاج إلى المشافهة في أدائه لينكشف غامض سره ويتضح طريق نقله [ والله اسأل المزيد من فضله ]